لروسيا الأتحادية صورة سابقة ( قيصيرية و سوفيتية ) و حالية معاصرة , وفي عمق الزمن القيصيري قبل ثورة البلاشفة 1917 خسرت روسيا اقليم ( الاسكا ) عام 1867 عندما باعه للويلايات المتحدة الأمريكية القيصر الكسندر الثاني بسبعة ملايين دولار و مئتين الف دولار , و تم اغتياله على أثر الصفقة عام 1881 , و اكتشف البترول فيه عام 1968 بحجم 13 مليار برميل , ناهيكم عن مخزون الذهب و المعادن , و الموقع الجيوسياسي و العسكري الهام لأمريكا حاليا , وفي مقابلة عام 2014 أجرتها قناة ( روسيا اليوم ) بالروسية مع الرئيس فلاديمير بوتين حوله قال انه اقليم شمالي في بلادنا , و هو بارد , و لماذا نسأل عنه و قد تم بيعه بالتزامن مع اقيلم لوزيانا الفرنسي , و بطبيعة الحال لو بقي اقليم ( الاسكا ) تابعا لروسيا السوفيتية و من ثم لروسيا المعاصرة في عهد بوتين لما تحرك من مكانه , ويوجد في وقتنا المعاصر من يسجلون صرامة أخطاء الزعيم السوفيتي (جوزيف ستالين ) ابان الحرب العالمية الثانية ( العظمى) 19411945 عبر( النفي ) الى سيبيريا على روسيا الأتحادية المعاصرة , و قضية جزر ( الكوريل ) السوفيتية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد مهاجمة اليابان للسوفييت , تحولت تلقائيا الى روسية , و لم توقع اليابان السلام مع روسيا رغم حجم التبادل التجاري بينهما الذي تجاوز ال (18) مليار دولار , و رغم السماح لليابانيين بإستخدام الجزر , و هدية اليابان لبوتين ( الكلبة- يومي – أكاتيا ) عام 2012 لم تجدي نفعا , و لم تفيد في المساهمة في حلحلة مسألة الجزر العالقة والتي تعتبرها روسيا شأنا سياديا محسوما .
و السوفييت الذين تقدمهم الروس دائما لم يهاجمو الحلف النازي الهتلري بداية عام 1941 كما تريد تسجيل ذلك ماكنة الأعلام الأوكرانية الغربية في ( كييف ) و الأعلام الغربي – الأمريكي , و التصدي للنازية الهتلرية كان جماعيا سوفيتيا و حلفهم بما في ذلك أمريكا التي دخلت المعركة في ربع الساعة الأخيرة من بوابة التموين , و زودت هتلر بالسلاح ذات الوقت , و انقبلت على السوفييت بعد تشكيل مؤسسة الأمم المتحدة معهم الى جانب بريطانيا بهدف بناء القطب الواحد القادر على الهيمنة على كافة أركان العالم , و اختلاق الأزمات و الحروب بالإرتكاز على مصالحها القومية في زمن سابق جدف فيه السوفييت , و كذلك الروس بعد انهيار الأتحاد السوفيتي عام 1991 لبناء عالم متعدد الأقطاب متوازن و متعاون . و المجاعة الواحدة التي عاشها السوفييت في ثلاثينيات و أربعينيات القرن الماضي بسبب تراجع الأنتاج المحلي الزراعي في زمن جوزيف ستالين , لم تفرق بين قطر سوفيتي و اخر بما في ذلك الأوكران الذين اتخذوها حجة لتحويل المجاعة و كأنها وجهت ضدهم فقط , و شكلت سببا رئيسا لإدارة ظهرهم عن روسيا بالكامل بعد الأنهيار السوفيتي و تسلل التيار البنديري الى وسط النخبة السياسية في ( كييف ) , و هو القادم من أتون الجناح الهتلري في الحرب العالمية الثانية سابقة الذكر هنا .
ولازال تيار من السوفييت السابقين وغيرهم خارج الحدود يصرون على اعادة شريط ذكرى حربي القفقاس بين عامي 1994 و 1996 , و بين عامي 1999 و 2009 , و بكل ما حملت من تفاصيل قاسية و مؤلمة و حزينة, لكن الحكمة تتطلب قراءة الحاضر و المستقبل بالنسبة لدولة روسيا الأتحادية المستهدفة من أكثر من جانب , و المحسودة لنهوضها في المجالين الاقتصادي و العسكري خاصة غير التقليدي منه , و هي التي استشعرت مبكرا مؤامرة الالتفاف عليها من الداخل , و هو الذي حذر منه الرئيس بوتين مرارا في خطاباته المتكررة , حيث قال في احداها ( يصعب الانتصار على روسيا من الخارج , لكن يسهل فعل ذلك من الداخل و بالتعاون مع الخارج ) و اللبيب من الاشارة يفهم .
و الفوبيا الروسية – أي الخوف غير المبرر من روسيا و سياساتها الداخلية و الخارجية جذورها ضاربة في عمق التاريخ, و تحدث بصددها النائب رئيس صندوق ( روسكي – مير ) في موسكو فيجيسلاف نيكانوف ,و الذي ربط تاريخها بالقرن الخامس عشر , و انهيار الأتحاد السوفيتي جلب معه الكثير من الانجرافات في ( جورجيا و لاتفيا و أوكرانيا ) , وصمدت المنظومة السوفيتية السابقة في المقابل , و ظهرت على شكل مؤسسة أمنية و عسكرية واحدة تحت اسم ( منظمة الأمن الجماعي ) التي تأسست عام 2002 في موسكو , وتم تفسير انهياره من أكثر من جانب ( الديمقراطية و الشفافية , و الصهيونية و الحرب الباردة و سباق التسلح , و أهمية الابقاء على القضية الفلسطينية تراوح مكانها , و لمنع ايران من الوصول لقنبلتها النووية المحرمة دوليا بسبب الأيدولوجيا المتطرفة لديها وصعوبة دخولها النادي النووي ).
ومراهنة الغرب الأمريكي على استنساخ شخصيات قيادية هادمة مثل (غورباتشوف و يلتسين ) لقيادة روسيا الأتحادية في عمق الزمن القادم ليست في مكانها , و حضور شخصية قيادية مثل فلاديمير بوتين , و استمرار و جوده في السلطة خيار وطني و قومي روسي في مكانه وزمانه لمواجهة سعير الحرب الباردة و سباق التسلح الموجه لها من طرف الغرب رغم الصداقة و التجارة , و المشاريع المشتركة و في مقدمتها ( غاز2 ) الموجه روسيا لأوروبا و لالمانيا تحديدا و تحت وصايتها , و لا شأن لأمريكا قائدة (الناتو) به ,ولن تكون قادرة على العبث بمساره . وقبل عام 2014 ليس كما بعده بالنسبة لروسيا الأتحادية ,و حتى لأوكرانيا , فلقد كانت شبه جزيرة ( القرم ) تحت السيادة الأوكرانية في الزمنين السوفيتي و الروسي المعاصر تحت رعاية روسيا زعيمة الأتحاد السوفيتي , و هو الأقليم الذي مر بحقب زمنية مختلفة ( يونانية و رومانية و عثمانية , و قيصيرية روسيا , و تمكنت الأمبراطورة يكاتيرنا الثانية الروسية من تثبيت سيادته مبكرا لروسيا بعد انتصارها على الأمبراطورية العثمانية عام 1853 , و حول الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف سيادته صوب أوكرانيا عام 1954 لأسباب جيوسياسية مائية وبرعايه روسية كما ذكرت هنا , و بعد انقلاب 2014 قرر قصر الكرملين الرئاسي في موسكو بقيادة الرئيس بوتين سحب القرم من السيادة الأوكرانية عبر استفتاء شعبي في الأقليم وصلت نسبته الأيجابية لصالح الضم الى 95% , و بالمناسبة 58% من سكانه روس مقابل 24% أوكران , و12,10% تتار ,و حضور اسلامي .و الخطوة الروسية تلك اعتبرت في غرب أوكرانيا احتلالا , وتناست أهميته الجيو-عسكرية و سيادية لروسيا أيضا الذي يرسو فيه اسطولها العسكري النووي بالغ الأهمية , و لم يكن من الممكن أن تدير ( كييف) ظهرها لموسكو و تواصل مغازلتها للغرب الأمريكي و( الناتو ) حاملة هدية روسيا و السوفييت , أي ( القرم ) هدية اليهم من جديد , غير اخذة بعين الأعتبار أمن سيادة جارتها روسيا ,و بنفس الطريقة خسرت ( كييف ) سيطرتها على اقليمي ( الدونباس ) و ( لوغانسك) شرقا لرغبتهما بالحكم الذاتي و المحافظة على اللغة الروسية و على العلاقة الاستراتيجية مع العمق الروسي . ولن تستطيع ( كييف ) اجتياح شرق أوكرانيا و لا حتى القرم بالخيار العسكري و حتى بالتعاون مع حلف ( الناتو ) الذي تحاول أن تكون جزءا منه , و يتضح هنا التأثير السلبي للتيار البنديري المتطرف على مسار تفكير النخبة السياسية في العاصمة ( كييف ) . و لا مخرج لأوكرانيا من غير الحوار و على قاعدة اتفاقية ( مينسك 2015 ) ,و سيأتي زمن يعيد العلاقات الأوكرانية - الروسية الى مسارها الصحيح , و هو ليس ببعيد ,وما على أمريكا قائدة ( الناتو ) الا أن تدعو للحوار الأوكراني غربا و شرقا و مع روسيا و تدخل شريكا به أفضل بكثير من التلويح بحرب عالمية ثالثة من أجل عيون الكوميدي زيلينسكي ؟! بينما هي مادة الغاز الروسي لأوكرانيا كما صرح امام المستشار الألماني شولتز مستمرة حتى بعد عام 2024 ,و هو عام نهاية الفترات الرئاسية للرئيس بوتين قبل تصفيرها من جديد.
وفي الختام هنا اقول بأن روسيا الأتحادية ستبقى محسودة و مراقبة و مرصودة من قبل الغرب الأمريكي مادامت حريصة على مواجهة الحرب الباردة و سباق التسلح و بتفوق , و سوف تستمر روسيا على نهجها المعارض لسياسات أمريكا و( الناتو) مادام التحرش العسكري و الأقتصادي من طرفهم لا يتوقف , و لامخرج لأمن العالم من غير التمسك بالقانون الدولي فقط .