عندما ذكر أمامي وهو في مرحلة الثانوية العامة أن صلاح الدين الأيوبي أحد الخلفاء الراشدين ، شعرت بالصدمة ، وآخر ذات مرة عندما سئل أين تقع فلسطين على إحدى الفضائيات وهو طالب جامعي قال أنها تقع شمال الأردن ، وأخرى ذكرت أن معركة مؤته لم تسمع بها أبدا وأنها تعتقد إنها كانت في العراق ، وغير هذه النماذج عشرات وليس آخرها ما حدث في معرض إكسبو دبي في الجناح الأردني الموقف الذي أساء لسمعة الأردن ، وأصبحت الحادثة محل تندر على الفضائيات العربية .
هذا الواقع المرير للثقافة العامة لدى غالبية الشباب يدعونا للبحث عميقا في جذور هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل أجيال بكاملها ، زمان كان طالب الثانوية مستعد لأن يلقي محاضرة أو يكتب بحثا عن أي قضية تطلب منه ، لأن الطلاب كان يرعاهم نظام تربوي ناجح يخاطب العقل ويدين التلقين وكان التحريض والتحفيز قائمين دائما لدفع الطلبة أن يقبلوا على قراءة الكتب وينغمسوا في الحياة الثقافية، حتى يستطيعوا أن يبنوا عقولهم على أساسات ثابتة متينة متمكنة .
لقد اهتز ولا أريد أن أقول انهار النظام التعليمي لدينا اهتزازا كبيرا دون أن يهتم أحد حتى وصلنا إلى وجود أجيال شبه أمية يحملون شهادات بدون مضمون .
اليوم إذا أردنا تمكين الشباب وجعلهم جاهزون للمشاركة في قيادة البلاد وشركاء في القرار لابد من الإعتراف بجذر المشكلة بكل شجاعة ، والبدء بإعادة تسليح البناء التربوي من خلال تمكين جذوره ، فالبناء عندما يهتز يقوم المهندسون بالحفر تحته لإعادة تثبيته وتمتين أساساته حتى يعود إلى ثباته وهذا يعني أن يعاد النظر بكل أساليب التدريس وطبيعة المناهج والتركيز على الفهم والمبادرة وتشجيع الطالب على البحث والقراءة العميقة من خارج المنهاج .
الجميع اليوم مطالب أمام ظاهرة الأمية التي تجتاح الغالبية العظمى من الأجيال الجديدة أن يعود إلى أس المشكلة من خلال إعادة النظر ومحاولة الإستدراك سريعا حتى لا يصبح الأمر عسيرا فالوقت لم يفت بعد إذا توفرت النية الصادقة والعمل المخلص بعيدا عن التنظير الفارغ الذي لم يعد يقنع أحدا .
والواقع المرير هذا لم يلقي بظلاله المقيته على طلاب المدارس فقط بل امتد إلى خريجي الجامعات الذين ينهون دراستهم ومعظمهم شبه أمي ، ليس لديه أدنى درجة من الثقافة والعلم حتى في تخصصه .
لابد من أن يعود نظامنا التربوي وجامعاتنا إلى رونقهما وعظمتهما الذين كنا نفاخر بهما ، وهذا يتطلب كما ذكرت الإعتراف أولا بالمشكلة ثم توفر الإرادة على مستوى الدولة لتصليح ما خرب .
لقد كان طلاب المدارس والجامعات هم الذين يقودون العمل العام في البلاد في مراحل زمنية متعددة ، وهم الذين كانوا يتحدثون في السياسية والاجتماع والاقتصاد والثقافة ، وقد شارك كثير منهم في بناء البلد بل تعدى الأمر إلى أن يشاركوا في بناء بلدان كثيرة في المنطقة العربية .
كيف نريد للشباب وهم لا يملكون أدنى درجات الثقافة ومباديء فهم ممارسة العمل العام أن يكونوا شركاء في القرار دون تهيئتهم فكرا وعلما وثقافة .
يا سادة .. قبل التسرع بالحديث عن تمكين الشباب لابد من إعادة الألق لنظامنا التربوي والتعليمي في المدارس والجامعات حتى يكون الخريج مستعدا تماما لدوره المطلوب منه على مستوى البلاد ثم بعد ذلك نتحدث عن المشاركة والتمكين فالطريق ما زال طويلا .