اعان الله الناس ، اذ تتوالى عليهم تواقيت رمضان والعيد والمدارس ، في بحر ثلاثين يوما متتالية ، يكون فيها المواطن قد قبض راتب شهر آب فقط.
ثلاثة تواقيت بحاجة الى ثلاثة رواتب.هذا على افتراض ان الراتب يكفي اساساً ، وهو افتراض مردود لاننا نعرف ان نصف موظفي البلد في القطاعين العام والخاص ، رواتبهم دون الثلاثمئة دينار ، وعشرين بالمئة رواتبهم دون المائتي دينار ، وهي رواتب هزيلة جداً.
بعد ايام قليلة يأتي شهر رمضان المبارك ، ويكون الاردني قد انفق اساساً راتب شهر تموز ، لاعتبارات كثيرة ، فيدخل الشهر الفضيل ولاقدرة له على نفقات رمضان التي تزيد بطبيعتها ، جراء مصاريف البيوت والمجاملات ، التي بات الموظفون يهربون منها ، فيقطعون صلة الرحم ، ويتدثرون بغطاء "اليد قصيرة".
ثم يأتيهم راتب شهر آب.هذا الشهر اللهاب سيكون لهاباً بحق هذا العام.كيف سيتم توزيع راتب هذا الشهر الذي لايكفي النفقات العادية ، فكيف برمضان ، ثم العيد الذي يطل برأسه في الثاني عشر من ايلول وفقا للحسابات الفلكية حتى الان.راتب آب اللهاب هل سيكفي ايضا لرسوم المدارس والحقائب المدرسية والكتب والدفاتر ، والزي المدرسي ، وهي مصاريف ستطل برأسها بعد العيد مباشرة.
اعان الله الناس على شهر آب اللهاب ، والتزاماته وذيوله وقسوته.والحكومة تقول ان موازنتها تعاني من عجز يبلغ مليار ونصف المليار ، وديون وصلت الى اربعة عشر مليار دولار ، ومن ضمن العجز ، مائتي مليون دينار عجز في الرواتب ، سيتم الاقتراض من اجل تسديدها.
هذا يعني ان الحكومة لن تكون قادرة على اي لفتة قبيل العيد.كدفع راتب ايلول قبيل وقته ، لان لامال متوفر ، والوقت الزمني الفاصل عن موعده طويل.
ماالذي سيفعله الناس في هذه الحالة.الاردن ليست العاصمة وحسب ، هذا مع التذكير ان ربع فقراء المملكة هم في العاصمة وفقاً للاحصائيات الرسمية.لنفكر قليلا في الاطراف والمحافظات ايضا.البوادي والقرى والمدن والمخيمات.لنتأمل قليلا اولئك الذين يعيشون على رواتب متدنية ، والعاطلين عن العمل وفي اعناقهم عائلات.
في حسبة خط الفقر يستحق كل موظفي القطاع العام ، ومعهم اعداد كبيرة من موظفي القطاع الخاص ، الزكاة والصدقة.
المسؤول لدينا عليه ان يفكر ايضا بتداعيات حدة الفقر والحرمان.الاثار الاجتماعية مؤذية جدا.نكد وغضب وضيق واستفزاز.هل جرب بعض مسؤولينا حرمان اطفالهم في رمضان او العيد او المدرسة.محزن جدا مانراه.وفي الضمير الجمعي اطياف عشرات الاف الاطفال ممن يعتاشون من الحرمان فيبيت في فراشهم ، ويحتل عيونهم.
لارمضان لواحد فينا اذا لم يتذكر غيره ، ولاعيد اذا لم يعيد اطفال الاخرين ، ولامدرسة لابنه او ابنته اذا لم يستر طالبا ويعلمه.
المال المكدس لاينفع صاحبه عند السؤال ، مالم يدفع حق الله فيه لكل محتاج ، ويتحول الى لعنة على صاحبه.
تلك المليارات المكدسة في مصارف البلد لاتفعل شيئا سوى النوم في الخزائن.اما الحرمان والفقر فقد باتا في كل مكان ، وللفقير كلمة عند الله ، لاحجاب بينها وبين سامعها وسيد قائلها.ويل لكل من قدس المال على حساب حاجة الناس.وويل ايضا لكل من اشاح قلبه عن الفقراء واليتامى والمحتاجين والمحرومين.
قبل ان تفطر في رمضان تذكر الجوعى حولك ، وقبل ان تشتري لباس العيد لطفلك تذكر كل طفل محروم ، وقبل ان تدفع رسم ابنك في المدرسة تذكر وجه الطفل الذي يحمل حقيبة ممزقة ويذهب بها خجلا حيرانا ، مطأطأ القلب دامع العين مرفوع الرأس.
الا ان عين الله لاتنام حقا.
mtair@addustour.com.jo
الدستور