«بيغاسوس» .. الحصان المجنّح!
د. زيد حمزة
15-02-2022 12:06 AM
من تتاح له فرصة قراءة التقرير الاستقصائي المطول الذي نشرته صحيفة النيويورك تايمز الشهر الماضي (28/1/2022) قد يصاب بالهلع من سطوة ونفوذ برنامج بيغاسوس الإلكتروني التجسسي الذي تنتجه جهاراً نهاراً شركة إسرائيلية تُدعى «إن إس أو» بترخيص من الحكومة وبإشراف وكالة مراقبة الصادرات العسكرية ويمكن بيعه لحكومات اجنبية (وليس لشركات او أفراد) تستعين به في مراقبة مواطنيها وخاصة معارضيها السياسيين وأحزابهم بالدخول الى تليفوناتهم وأجهزتهم الالكترونية الاخرى، فحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI اشترى منها سراً برمجيات رقابية للكشف عن قرصنة التلفونات في الولايات المتحدة ولمتابعة صفقات الأسلحة لشركتي لوكهيد مارتن وريثيون، واستخدمتها كذلك بعض دول منطقتنا، كما أن منظمة العفو الدولية وثَّقت «أن برنامج بيغاسوس استُخدم لملاحقة أحد أفرادها»، وها هي دولة كبيرة مهمة في أميركا اللاتينية كالمكسيك تضطر لشراء البرنامج لمكافحة المخدرات وعصاباتها الاجرامية ليس مقابل ثمنه الباهظ فحسب بل أيضاً تغيير موقفها «السياسي» التاريخي المؤيد للقضية الفلسطينية بالتصويت إلى جانب إسرائيل في المحافل الدولية! ولا ننسى هذه الردة في بنما في عهد الرئيس مارتينيلي، وبكل أسف الهند في عهد رئيس الوزراء اليميني مودي.
وحسب تقرير لوكالة الانباء الفرنسية في 9/2/2022 «فان هذا البرنامج الإلكتروني القوي بدأ يرتد على شعب إسرائيل نفسها باستخدامه من قبل الشرطة بشكل غير قانوني على عشرات من الشخصيات السياسية البارزة في داخل البلاد... وبينهم رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو"! وكتبت صحيفة يديعوت احرونوت الأكثر انتشاراً في إسرائيل: «بدأنا نعتقد أن هذا البلد قد لا يبقى ديمقراطياً، فنحن حقاً مثل رومانيا تشاوشيسكو أو تشيلي بينوشيه».
للعلم فان بيغاسوس في الميثولوجيا الإغريقية هو الحصان المجنح! وكأن التسمية الحديثة للبرنامج التجسسي قد قُصد بها إعطاؤه هالةً من الغموض في قدرته الأسطورية الخارقة حتى ليظن البعض بين ظهرانينا، ولطالما ظنوا خطأً، أن دول العالم القوية بما فيها أميركا نفسها تنقاد لإسرائيل وليس العكس! وذاك وهمٌ يقود لليأس والاستسلام و"كفى المؤمنين شرَّ القتال» والمقاومةَ والنضال! والأنكى أنهم ينشرونه لتمرير مشاريع السلام المشبوهة في منطقتنا، ونسوا أو تناسوا أن الشركة المنتجة تجارية هدفها الربح وأن ادعاءَها البراءة بعدم البيع إلا للحكومات هو مجرد ستار لصفقات سرية يمكن أن تُعقد مع أي جهة تدفع أكثر، والستار الخادع الآخر هو اسمها المكون من ثلاثة حروف.N.S.O تعطي انطباعاً بانها اختزال لاسم مؤسسة حكومية مرموقة والحقيقة أنها الحروف الاولى لمؤسسي الشركة في هرتسيليا عام ٢٠٠٠ وجميعهم خدموا سابقاً في المخابرات العسكرية والموساد، وهي تُضاعف أرباحها عاماً بعد آخر، وفي مكاتبها حول العالم أكثر من سبعمائة خبير معظمهم جاءوا من نفس الأجهزة الأمنية.
وبعد.. لا نصدق أن كل ذلك الفعل الإسرائيلي الخطير يمكن أن يتم بمعزل عن الولايات المتحدة الراعية الكبرى والحليفة الاستراتيجية، بل بالتنسيق والتواطؤ معها.
الرأي