زمان كان للموت هيبة..
في قريتنا مثلاً, كانت الجنازات شبه شهرية, كنا نشارك جميعا بها... وكان للمقابر هيبة ووقار... حتى الجرائد كانت إعلانات النعي فيها محدودة, وحين نقرأ عن ميت نتداول الخبر ونسأل عنه..
اتذكر أني قرأت يوماً إعلاناً في «الرأي» عن وفاة شخص اسمه (حربي).. بقيت اسأل عنه لشهر كامل.
ما عاد للموت هيبة..
صدقوني أنني كلما فتحت صفحات «الفيس بوك», وجدت نعيا لأحدهم... الموت الإلكتروني هذا أفقد المشهد وقاره, صاروا يضعون صور المرحوم على «الفيس بوك» وثمة تعليقات توحي بأن المرحوم كان يعرف الكل.
أمس مثلاً نشرت سيدة نعياً لعمها, وعلق أحدهم قائلاً: (رحمة الله عليه) فكان ردها: (ميرسي كثير)... فعلاً «الفيس بوك» ساهم في إفقاد الموت هيبته, تخيلوا صارت الردود على التعزية: (ميرسي كثير)..!!
سيدة أخرى أيضاً, وضعت نعياً لجدتها... وأحدهم تحمس جداً وتأثر, وذكر في التعليق سجايا (الحجة) ومآثرها, وسأل عن مكان العزاء.. «الغبي» لم يقرأ النعي جيداً (فالحجة) توفيت في (تكساس) والدفن تم هناك...
حتى النعي صار إلكترونياً؟ وأحياناً توضع قلوب حب ودوائر لا أفهم معناها... وأحدهم وضع (لايكاً), أنا لا أعرف معنى (اللايك) على إعلان نعي.. هل يعني هذا أنه يؤيد وفاة المرحوم؟
يقولون: الاقتصاد فقد هيبته, واحياناً يقولون هيبة الحكومة.. وأحياناً يتحدثون عن المسؤولين وهيبتهم, وفي بعض الأحيان... يتم الحديث عن هيبة المؤسسات... إذا كان الموت وهو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة التي لا جدل فيها.. فقد هيبته عن أي هيبة تتحدثون..؟
كل ذلك لا يعني لي شيئاً بقدر إعلان نعي نشر في «الفيس بوك» أمس, مع صورة للمرحوم وهو (حامل طبلة), أنا لم أفهم معنى ذلك.. من كل العمر الذي عاشه لم يجد صاحب النعي سوى صورة (طبلة)... والناس تغاضت في تعليقاتها عن (الطبلة) وركزت على سجايا الفقيد وخصاله... وأنا تدخلت نصحت (المجبرين) أهل الفقيد كتبت تعليقاً قلت فيه: (مش لاقيين غير (الدربكة) اتحطوها مع صورة المرحوم).. كان الرد من صبية اسمها تمارا: (انت واحد فائد للإحساس ما عندك مشاعر.. يا متخلف, عمى يعميك ان شالله)..
كثير من الأشياء فقدت هيبتها.. بما فيها الموت..
الله ايسامحك يا تمارا..!
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي