المقالة الجامعة .. الحلقة التاسعة
اللواء المتقاعد مروان العمد
12-02-2022 01:25 PM
بتاريخ 30 / 1 / 2022 وبالذكرى الستين لعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، تحدث جلالته الى الشعب الاردني في كلمة جامعة مانعة ، استعرض فيها وضعنا الحالي ، ومهد لنا طريق الخروج منه الى غد مشرق ان شاء الله . وقد استهل جلالته كلمته بالدعوة للبناء على ما انجزه الآباء والاجداد خلال المائة سنة الماضية لتكملة مسيرة التطوير وتجاوز التحديات وبتخطيط مؤسسي سليم . وقال جلالته انه وهو يقف على اعتاب الستين من عمره ، وبداية قرن جديد من عمر الدولة ، فأنه جند نفسه جندياً من جنود جيشنا الاردني ومواطناً من مواطنيه ، مستذكرا اقوال والده الراحل العظيم الحسين بن طلال طيب الله ثراه وهو يودع دنيانا ، بأن الاخلاص والوفاء لهذا الحمى شرف و واجب نحمله جيلاً بعد جيل .
واشار جلالته الى الصعاب التي اشتدت على الاردن وفي المنطقة في السنوات الاخيرة ، والتحديات الامنية والاقتصادية التي واجهها ، بالاضافة الى ملايين اللاجئين ، وتراجع الدعم الخارجي مما اثر على تنفيذ البرامج والخطط ، وتمترس بيروقراطي ، وانغلاق في وجه التغيير، وتغول الاشاعة ، وتغيب الحوار العقلاني بالاضافة لما سببته كورونا من اعباء .
واكد جلالته ان واقعنا لا يرتقي لمستوى طموحنا ، والذي منبعه ايماننا العميق بأننا قادرون على صنع المستقبل المشرق ، نعزز فيه امننا واستقرارنا ، ونمضي في مسيرة البناء الى آفاق اوسع من التميز والانجاز والابداع ، نستعيد فيه صدارتنا في التعليم والنهوض الاقتصادي، وازدهار القطاع الخاص وزيادة فرص العمل ، ومواجهة الفقر والبطالة وعدم المساواة . و نريده مستقبلاً عنوانه التميز وجوهره الابداع والانفتاح الى التغيير والتطوير واستيعاب كل ما هو حديث . وان تحقيق ذلك يتطلب منا جهوداً مكثفة تبني على مواطن قوتنا ، وتعالج نقاط الضعف في التخطيط والتنفيذ ، ورفع سوية الاداء في مختلف القطاعات .
واضاف جلالته بأننا نحتاج الى خطوات لجذب الاستثمارات الخارجية وتحفيز الاستثمارات الوطنية ، و وضع خارطة طريق للتغلب على العقبات التي تعيق نمو القطاع الخاص ، ومعالجة السلبيات في القطاع الاداري للدولة . وانه وجه الحكومة الى وضع الخطط والبرامج لدعم قطاعات السياحة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة وتطوير القطاع الطبي ، ليعود الاردن واجهة رئيسية للسياحة العلاجية في منطقتنا . وانه لابد من فتح الافاق للرياديين من شبابنا وتوفير البيئة المناسبة لهم . واستغلال ثورة التكنولوجيا لاعادة هندسة القطاع العام واختصار الترهل ، والاقلال من الاهواء الشخصية والفساد الوظيفي الذي يختبئ في الرزم الورقية المكدسة .
واضاف جلالته بأنه يجب تجسير الثقة بين الحكومات والشعب ، وضرورة وضع الحكومات خطط وبرامج باهداف واضحة ، والعمل بشفافية ، وتوضيح آليات عملها بطريقة تبدد الإشاعات الهدامة ، ليحل الحوار المرتكز على المعلومة محل السجالات المحبطة ، وتكريس نهج المسائلة للمقصرين في واجباتهم اتجاه الوطن . لانه لن نجد حلول في ظل دوامة التشكيك وتغييب الحقائق والمنطق والعقلانية ، الا بشراكة حقيقية بين المواطن والحكومة للتصدي للاشاعات والاخبار الكاذبة ، والمعلومات الزائفة لنحول دون تمكن ضعاف النفوس المتسترين خلف شاشاتهم من بث روح السلبية والاحباط وزعزعة الثقة في مجتمعنا . ولا نريد ان يكون لأولائك الذين يجدون في معاركهم الفرعية وبطولاتهم الشخصية غايات اهم من مصلحة الوطن مكاناً بيننا . وقال جلالته ان التشاؤم لا يبني مستقبلاً ، والاحباط لا يقدم حلولًا .وان الاردنيين هم من اهل العزم الذين لا يقبلون الا الافضل ، وان هذا يتطلب ان نرسم مستقبلنا الذي نطمح اليه بيدنا ، وتطوير ادوات عملنا لتواكب شروط النجاح في كل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والثقافية وحتى المناخية . ونوه جلالته الى ان كل الدول تقف اليوم امام مفترق طرق ، اما ان تواكب المتغيرات واما ان تصبح على هامش المستقبل . واننا يجب ان نقبل على المستقبل بالشجاعة المعروفة عن الاردنيين وان نتمسك بثوابتنا ونحافظ على قيمنا وندافع عن مواقفنا باستخدام افضل ما يوفره عصرنا من ادوات وامكانيات . وان نتخذ اكثر القرارات جرأة واصعبها بلا تردد . وانه لا مكان بيننا لمسؤول يهاب اتخاذ القرار او يختبئ وراء اسوار البيروقراطية خوفاً من تحمل مسؤولية قراره . وتوفير الحماية لكل مسؤول يتخذ القرارات الجريئة طالما تنسجم مع القانون وليس لمنافع شخصية . وان علينا ان ندرك ان هناك اشخاص او مجموعات سيعارضون القرارات ، ولن يكون هناك قرار يحظى باجماع كامل .كما ان تقبل النقد هو جزء من صفة العمل العام الذي هدفه المصلحة العامة بعيدا عن كسب الشعبوية . وان المواطن شريك اساسي في تسريع وتيرة التغيير الإيجابي والافادة منه . وان نواكب التغيير للافادة مما يوفره من فرص ، وان نحمي هذه الثوابت ونحصنها باستخدام ما ينتجه العصر الحديث من ادوات ديناميكية .
وقال جلالته / لا ارى مكاناً لنا الا في مقدمة التغيير وفق رؤية وطنية شاملة واضحة المنهجية والاهداف ، لا يعيقها تردد ولا يضعفها ارتجال ولا مصالح ضيقة . نسير إلى الامام دون تراجع في تطبيق هذه الرؤية التي تسندها الاصلاحات الإدارية والاقتصادية .
واضاف جلالته انه ولهذه الغاية فقد وجهت ديواننا الملكي الهاشمي للبدء بتنظيم ورشة عمل وطنية ، تجمع ممثلين من اصحاب الخبرة والتخصص في قطاعاتنا الاقتصادية وبالتعاون مع الحكومة لوضع رؤية شاملة وخارطة طريق محكمة للسنوات المقبلة ، تضمن اطلاق الإمكانيات لتحقيق فرص العمل المتاحة لأبنائنا وبناتنا ، وتوسيع الطبقة الوسطى ، ورفع مستوى المعيشة ، لضمان نوعية حياة افضل للمواطنين . وقال جلالته ان العمل جار الى وضع آلية تكفل المتابعة الحثيثة لتنفيذ هذه الروئية في كل القطاعات ، وان هذه المتابعة ستكون شخصية من جلالته . وستكون هذه الخطط هي المرتكز الاساسي لتكليف الحكومات وبحيث تبني على ما انجزته سابقاتها ، فيتواصل الإنجاز وتحقق ثماره إصلاحات شاملة ، وخدمات فاعلة ، وتطوراً اقتصادياً وإدارياً ، وفرص عمل . وقال جلالته لنعمل معاً بثقة وايمان وتكافل لنوفر الحياة الكريمة لشعبنا في وطننا العزيز في الحاضر والمستقبل .
وعلى اثر نشر كلمة جلالة الملك والتي اختصرتها بقدر الامكان ، لأن في لكل فقرة لا بل في كل جملة وفي كل كلمة كان هناك معنى ومقصداً يريد جلالته ان يضعه نصب اعيننا . وان يضعنا امام مسؤولياتنا في السير على طريق الاصلاح والذي ابتدأه بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتعديلات الدستورية التي تفرضها حكماً هذا التعديلات ، والذي أتبعه بتشكيل لجنة خاصة لتحقيق اصلاح القطاع العام ، لتأتي هذه الكلمة الملكية السامية لتضع اقدامنا على الطريق الصحيح للاصلاح ، اذا كان هناك فعلاً من يرد ان يعمل لتحقيق هذا الاصلاح . و ليحدد مسؤوليتنا في تحقيق ذلك مواطنين وحكومة ، مبيناً اوجه التقصير من الطرفين وداعياً الى تحمل المسؤولية من قبلهما لتحقيق هذه الغاية .
وقد اطلعت على الكثير مما كُتب في استعراض مضامين رسالة جلالته ، لاجد ان معظم من كتب عنها كان على طريقة ولا تقربوا الصلاة . ومعظمهم كان يتحدث عما يجب على الطرف الآخر ان يقوم به او أن لا يقوم به ، مستثنياً نفسه مما يحب عليه ان يقوم به او لاقوم به . وكان واضحاً ان تركيز المتحدثين عن مضامين رسالة جلالته هو نقده للاداء الحكومي، ومطالباته بأن يتحلى المسؤولين بالشجاعة لاتخاذ قرارات جريئة وصعبة ، والعمل على تنفيذها طالما تنسجم مع القانون والصالح العام وليس المصالح الشخصية . وتجاهلوا ما ورد فيها عن دور المواطن في التجسير مع الحكومات ، وبناء الثقة المتبادلة بينهما ، وذلك من خلال ؤد الاشاعات ، ليحل محلها الحوار المرتكز على المعلومة ، والتصدي للاشاعات والاخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة ، وان لا نمكن المتمترسين خلف شاشاتهم من بث روح السلبية والاحباط بيننا ، وان لا يجد البعض ان معاركهم الفرعية وبطولاتهم الشخصية اهم من مصلحة الوطن .
كما تجاهل البعض المخاطر والتحديات الامنية والاقتصادية ، وتدفق المهاجرين ، وتراجع الدعم الخارجي ، والبيروقراطية ، والانغلاق في وجه التغيير ، و تغول الاشاعة ، وتغيب الحوار العقلاني ، بالاضافة لوباء كورونا وما احدثه من اضرار على الاردن والاردنيين .
كما تجاهل البعض الخطوط العريضة التي وضعها جلالته لنعمل على تنفيذها لنرتقي بمستوى طموحاتنا وتعزيز امننا واستقرارنا ، ومواجهة الفقر والبطالة وعدم المساواة . ومثال ذلك جذب الاستثمارات الخارجية وتحفيز الاستثمارات الداخلية بما تتضمنه من تغيير النظرة للاستثمار والمستثمرين ، ووضع خارطة طريق للتغلب الى العقبات التي تواجه القطاع الخاص مثل دعم السياحة والزراعة والتكنولوجيا واختصار الترهل وتطوير القطاع الطبي لكي نعود كما كنا مقصدا للسياحية العلاجية ، وتطوير التعليم واعادة القه .
وتجاهل البعض ما تحدث عنه جلالته عن الحاجة الى الارتقاء بمستوى طموحاتنا وتعزير استقرارنا في مواجهة الفقر والبطالة وعدم المساواة ومواجهة التحديات التي تواجهنا ، وقوله ان التشاؤم لا يبني مستقبلاً ولا يحقق حلولاً ، وان كل دول العالم تقف اليوم على مفترق طرق ، فأما ان نواكب التغيير ، واما ان نقبع على هامش المستقبل ، وان علينا ان نتخذ اكثر القرارات جرأة واكثرها صعوبة بلا تردد ، معتمدين في ذلك على شجاعة الاردنيين .
واكثر ما تحدث عنه المحللين بالاضافة الى نقد جلالته الاداء الحكومي هو توجيهه الديوان الملكي الهاشمي للبدء بتنظيم ورشة عمل وطنية ، تجمع ممثلين من اصحاب الخبرة والتخصص في قطاعاتنا الاقتصادية ، بالتعاون مع الحكومة ، لوضع رؤية شاملة وخارطة طريق محكمة للسنوات القادمة . وهنا تحول الجميع الى اصحاب خبرة وتخصص في هذا المجال ، وادلوا بدلوهم واقتراحاتهم وتصوراتهم لكيفية اجراء هذا الحوار الوطني . مع ان جلالته قد قال في كلمته ، ان العمل جار الى وضع آلية تكفل المتابعة الحثيثة لتنفيذ هذه الروئيه في كل القطاعات ، والتي من المنطقي ان تجري مع نخب من المختصين وليس كلهم ، مما سوف يؤدي الى تصارع وجهات النظر وتضاربها ، وسيم انتقاد الاسماء التي سوف يتم الحوار معها . وسيتم التشكيك بكل ما يصدر نتيجة هذا الحوار ، الذي قال جلالته انه سيتم تحت متابعته الشخصية . وسوف يتكرر سيناريو مخرجات لجنة الحوار ، وذلك لأنه لا يوجد في الاردن اي اتفاق على مفهوم الاصلاح وكيفية تحقيقه . مما يجعلني اشك حتى بوجود من يريد تحقيق الاصلاح . وسوف اتحدث عن ذلك في حلقات اخرى لمن يرغب في المتابعة.