القاضي تكتب: قمر هاشمي يضيء دارة صاحب "الليلة القرشية"
إخلاص القاضي
11-02-2022 02:12 PM
هي "ليلة قرشية" طل فيها القمر الهاشمي، ليزور شاعر الأردن الكبير حيدر محمود، وليسأله في لُجّة تفاصيل اللقاء عن جده الراحل العظيم الحسين، بقوله" احكيلي عن جدي أكثر"، يذكرني برائعة فيروز "احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي"، فينهل من هالات الزمن ومضاته البراقة التي تشع في صدره الكثير من الحنين والوفاء، فيما لا تتسع الفرحة قلب "محمود" برؤية سموه، مؤكدا "إن تواضع الهاشميين مدرسة راسخة، تدار بحكمة العقلاء دوما".
هو سمو الأمير الحسين، ولي العهد، يختار بعناية العارف زيارة أبرز الشعراء الاردنيين، من الذين حظيوا بنسج "عباءات الفرح الأخضر" على مر عقود جمعته بالباني "قمر الصحراء وسيدها"، وبالمعزز الغالي، وولي عهده الوفي، من الحسين لعبدالله الثاني للحسين، "بانوراما" هاشمية، أعادت كتابة التاريخ بأحرف ساطعة، وقبضت على جمر المراحل، ونجت بوطن وشعب من أتون، منطقة ملتهبة، وربيع لم يزهر بعد.
مر ذاك الليل على شاعرنا، في صحبة سمو ولي العهد، و"شجر الدفلى على النهر يغني"، ونار إلهام الشعر حولهما لا تشبه النار، و بقلبه الكبير الذي لم يخفق لغير الاردن ولدار الشهيد وصفي التل، وللضفتين التوأمين، وللبيرق الذي علّا، وللقمر الذي بدّر، وللغصون التي دعاها للميلان، وللشام والقرية الصغيرة، وللشمس التي "صحاها"، بهذا القلب وأكثر، استجمع كل المسرة والرضا والغبطة بأمير يشع جبينه بنور الذكاء وبعد النظر.
في تلك الليلة، أرسل شاعرنا من جديد "بطاقة حب للحسين"، وشهّد مرة أخرى شجر الزيتون، على أننا كنا وما زلنا وسنبقى، معهم وبهم "إنا ماضون"، فلم تكن كلمته يوما للبيع، كانت دوما كرمى لعيون الوطن، ولم يغب عن طلة الأيام، فهو القديم الحديث، الماضي والحاضر، صاحب المفردة الآسرة، التي حملتنا "فوق الأجنحة البدوية، ورقرقت نسمات الليل رخية"، لنحب الهاشميين، بها، أكثر، لنعبر أكثر، كما "تحب الزهرة الندى.. والنهر ماءه الذي تعودا".
وفي ساح الوغى ينادي "يا جيشنا يا عربي" يقدم ترويضة للسيف الهاشمي، ويطبع على جبين الوطن قبلة، ويُصبّح صباح العيـد على بلاده و اليرموك، ويرثي الحقيقة حيثما يجب، ويشدد "لو لم أكن أنا .. أنا"، ليعيد لمربع عرابه وموئله وعشقه"وصفي التل والارض والانسان"، سردية الوفاء والعشق والتضحية.
ليس غريبا على "رماح عربية القامة، قرشية الحد"، تواصلها مع أبناء الوطن، وليس جديدا أن نرى سمو ولي العهد على خطى متجذرة، وقد دخل بيوت الأردنيين، لانه أصلا في قلوبهم، أما رؤيته وجاهيا، فهو استكمال لحلقة كونه منّا ولنا، كما كل الهاشميين، الذين لم يترفوا، ولم يستفزوا يوما أهلهم، فأينما حلوا يفترشون الأرض، ويتشاطرون مع أبنائهم تواضع المكان وجميل القول وعمق السؤال.
وليس غريبا أن يزور سموه، شاعرنا الكبير، الذي جمع المجد من كل اطرافه، وأغنى الحركة الشعرية الاردنية، وحصل على جوائز تقديرية وفخرية وأوسمة، وترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والاسبانية، وليس كثيرا على"محمود" أن يستحق وزارة الثقافة، وهو العين، والصحفي والإعلامي والمستشار والسفير، وهو الذي كان قد أنهى الثانوية العامة في كلية "الحسين"، وكأن هذا الاسم الجليل، هو عراب رحلته، منذ المدرسة التعليمية، وحتى المدرسة الهاشمية، وهو الذي حظي أيضا باهتمام شهيد الأردن وصفي التل، الذي أوفده وقتذاك لدراسة الاعلام في بريطانيا.
بإختصار، زار سمو ولي العهد، مدرسة اردنية، وقامة عربية، تختزل محطات التاريخ الحديث، ولحظات قد اغفلتها عدسات الكاميرات، أو دونتها ملاحظات المراقبين، وفي جعبة شاعرنا الكبير، ذكريات وشجون وأسرار" وليس يمنح سر الكشف، غير فتى حر، ومؤتمن، والحر يؤتمن"، وتفاصيل التفاصيل عن إنسانية ملك، وملك، وولي عهد، عن ذاكرة وطن، زينها بجزيل الكلام الذي انساب لحنا، باصوات شجية، تليق بكل الهاشميين الذين نحبهم "لأنهم الأمل والفرح الحبيب في المقل".
شاعرنا الأردني، سنديانة الارض، الذي حمل الطيرة وحيفا وفلسطين الحبيبة في وجدانه وقلبه، وهو الوطني العروبي، يستحق هذا التقدير وهو على قيد الحياة، ويستحق أن تتحول أعماله الشعرية وسيرته الذاتية إلى ملحمة اردنية تحكي قصة البطولة والمجد والانتصار والشموخ والعشق الوطني الذي لا ينتهي، عرفانا بمكانته الإبداعية ومنارة فكره الاستثنائي، وأن يُكرّم بتخليد اسمه على صفحات الاردن المشرقة، على غير شاكله ونمط.
حيدر محمود، يضيع المرء بين ثنايا عمق مفرداتك، وبساطة انسيابها للروح، "على ذرى أردننا الخصيب، الأخضر العابق بالطيوب"، فيما القدس له البداية والنهاية، و"لك يا قدس ما يليق بعينيك من الكحل والدم والحناء"، وهو مثل كل الاردنيين"مع عبدالله يدا بيد لغد نمضي .. ولبعد غد".