لا تمضِ في الحياة مسرعاً!
م.شهد القاضي
11-02-2022 09:46 AM
يقضي آسر معظم وقته في العمل، لدرجة أنه أحياناً يواصل عمله في البيت.. حتى أنه بات يوصل الليل بالنهار لإنجاز المزيد من الأعمال و جني العديد من الأرباح.. لا مبالٍ بقضاء وقت مع عائلته، أو حتى أخذ قسط من الراحة لمدة يوم واحد على الأقل.. كان همه الأكبر في الحياة أن يصل إلى الثراء و حسب.
في كل يوم يأتي من العمل، كانت تركض طفلته مسرعة نحوه؛ ليحتضنها و تريه ما رسمت.. فيحتضنها جزءاً من الثانية، و لا يعير الاهتمام لرسوماتها... ثم تأتي زوجته لتدعوه؛ حتى يتناول طعام الغداء معهما، تاركين هموم الحياة خلفهم ساعة واحدة على الأقل.. فيجيبها بأنه قد تناول طعام الغداء في العمل، و أن لديه الآن الكثير من الأعمال ليقوم بها... فيذهب مسرعاً إلى غرفة المكتب، معتقداً بأن عمله أولى بوقته من عائلته.
مضت الأيام.. و الشهور.. و السنين.. و حقق آسر حلمه بالثراء، فأصبح آسر واحداً من أغنى أثرياء البلدة... ذات يوم عادت ابنته من الجامعة، فقال لها والدها: " تعالِ يا ابنتي، اجلسي بجانبي؛ لنحتسي الشاي سوياً ".. فأخبرته بأنها مشغولة بتحضير نفسها؛ لتخرج مع صديقاتها لتناول طعام الغداء... صُدِمَ و قال في نفسه: "متى كبرتي يا ابنتي".. حزن آسر كثيراً بسبب فعل ابنته، فطلب من زوجته أن تأتي لتجلس معه.. فأخبرته بأنها ذاهبة لصالون نسائي؛ لتعتني بأظافرها و شعرها... حزن كبير تَمَلَّك روحه.. فقد أصبح يمتلك الكثير من الوقت و المال، لكنه يشعر بوحدة عارمة.. فقد بات منزله بارداً جداً، و يفتقد لدفء العائلة.
قرر آسر أن يركب سيارته، و أمر سائقه بأن يمشي به في شوارع المدينة.. فَمَرَّ بحديقة، فأمره أن يتوقف عندها.. نزل من سيارته الفارهة، و جلس يتمشى في أركان الحديقة... لفت نظره طفلة صغيرة تركض بسرعة نحو والدها الذي يلاعبها و يلاطفها هو و زوجته... فنظر لهم و في قلبه حسرة، فجلس على أحد كراسي الحديقة، يبكي بحرقة على حياته التي لم يعشها كما يجب... أمضى وقته كله في العمل، و نسي أن هناك لحظات لا تعوض كان يجب أن يعطيها حقها.. فشعر بحسرة و ندم كبير، على ما فاته من لحظات جميلة في قطار العمر، كان بإمكانه عيشها مع عائلته... فمضى في الحياة مسرعاً و لم يوقفه سوى الندم.