هدير السياسة الدولية يتصاعد في ايامنا هذه حول حتمية مطالبة أوكرانيا ومن وسط وثائقها الحكومية بإعادة إقليم شبه جزيرة ( القرم ) بقوة السلاح , و كذلك الأمر شروع ( كييف ) غربا بسط سيادتها على ( الدونباس و لوغانسك ) شرقا بنفس الطريقة و النهج العسكري , ومن اجل ذلك نلاحظ الغرب الأوكراني يحفر الخنادق و يتمترس , و صورة مشابهة في الشرق الأوكراني الرافض لسياسة ( كييف ) بعد إنقلاب عام 2014 تحديدا , بينما كانت الأمور طيبة بين غرب و شرق أوكرانيا بين عامي 1991 و بين الحقبة الزمنية التي سبقت إنقلاب عام 2014 , وعاش (القرم ) في العهدة الأوكرانية 60 عاما بين عامي 1956 و 2014 , في الزمنين السوفيتي بعد تحريكه من قبل قبل الزعيم نيكيتا خرتشوف لأسباب مائية , بينما كانت قيادة الأتحاد السوفيتي لروسيا الأتحادية و عاصمتها موسكو على الدوام , و في عمق التاريخ المعاصر عبر القرم مجموعة من الحقب الزمنية ( اليونانية و الرومانية و العثمانية و الروسية القيصيرية ) , و حسمت سيادته الحرب الروسية القيصيرية المنتصرة على الأمبراطورية العثمانية عامي 1853 1856 في عهد الأمبراطورة يكيتارينا الثانية .
وكل هذا يجري بعد فقدان بوصلة السلام بين غرب و شرق أكرانيا , و مع روسيا الأتحادية بسبب رفض ( كييف ) لإتفاقية ( مينسك 2015 ) لعدم قناعتها بأمكانية تنفيذ بنودها في الشرق الأوكراني ,وما عقد المسألة الأوكرانية إعتقاد الأوكران بأن ( القرم ) تابع للسيادة الأوكرانية , بينما يعتد الروسي بأن سيادته تتبع روسيا الأتحادية , و لموضوع ضم ( القرم ) رواية أوكرانية عبر تحريك روسيا لقواتها السرية مبكرا للسيطرة عليه و إحتلاله , و للروس رواية أخرى تمثلت بمثول سكان الإقليم و معظمهم من الروس 58% مقابل من الأوكران 24% , و من التتر12,10% لأستفتاء شعبي كانت نتيجته بحجم 95% لصالح عودة ( القرم ) للسيادة الروسية , و طالب غرب أوكرانيا و تحت ظغط أمريكي بإعادة إجراء الإستفتاء ليشمل كل مساحة أوكرانيا , لكن روسيا رفضت العرض ,وواصلت التوقيع على سيادة ( القرم ) في مجلس ( الدوما – البرلمان و الأعيان ) الروسي , وفي قصر الكرملين الرئاسي في موسكو , ووجه بمعارضة دولية كبيرة في الأمم المتحدة بجهد الولايات المتحدة الأمريكية قائدة حلف ( الناتو ) العسكري , و المعنية بتصعيد الحرب الباردة التي إنطلقت نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 الى جانب سعير سباق التسلح , ونظرا لموقع ( القرم) الجيو-سياسي و العسكري ( النووي ) الهام .
ولقد بلغ عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي عارضت إنضمام ( القرم ) لروسيا 19 دولة وهي ( أمريكا , بريطانيا , فرنسا , المانيا , استراليا , بلجيكا , التشيك , استونيا , جورجيا , ايرلندا , لاتفيا , ليتوانيا , هولندا ,النرويج , بولندا , سلوفاكيا , أوكرانيا ) , و استخدمت روسيا حق ( الفيتو ) في مجلس الأمن لمنع إدانة ضم ( القرم ) اليها , و بسبب أن قرار الضم جاء أيضا لحصول إنقلاب في ( كييف ) عام 2014 . وهو الحدث الدموي الذي اطاح بالرئيس الأوكراني ( فيكتور يونوكوفيج ) الموالي لروسيا و طرده من أوكرانيا صوب العمق الروسي , و تسلل مكانه التيار ( البنديري ) المتطرف , الذي قدم الى غرب أوكرانيا من عمق المعسكر النازي الهتلري في اتون الحرب العالمية الثانية , وهو معادي و مناهض لروسيا ,و مؤازر لأمريكا و للناتو ,و وما زاد الطين بلة هو توجه أوكرانيا لدخول حلف ( الناتو ) العسكري الغربي , و الأستقواء به , و جره لدخول حرب مع روسيا الأتحادية لتحقيق هدف تحرير ( القرم ) و ( الدونباس و لوغانسك ) , و بسط السيادة الأوكرانية بقوة السلاح , و لو كلف الأمر تصعيد الحرب لتصبح عالمية ثالثة مدمرة للحضارات و البشرية , ومن دون أن يخرج منها منتصر , بدلا من البحث عن الحوار المباشر الذي فقد بوصلته ,و اضاع اتفاقية ( مينسك ) , و الان اما الذهاب الى الحرب الفاشلة , و اما انتظار قدوم نظام أوكراني مختلف , و رئيس أوكراني جديد يقبل بصداقة موسكو , و يجيد التفاوض معها للوصول لحلول وسط مثل السماح للأوكران بالتواجد في ( القرم ) و في شرق أوكرانيا من وسط حقهم السيادي كما يعتقدون مع بقاء ( القرم ) روسي السيادة بالطبع , و حسب معطيات التاريخ و سياق الأحداث .
من يطلع على المادة (5) في الناتو , يفهم منها أحقية اعلان الحرب , و لا ( عدو) لهم غير روسيا , رغم العلاقات الإستراتيجية مع أوروبا و أمريكا على مستوى التبادل التجاري , و مشروع غاز( 2 ) الروسي مع المانيا , و الأصل هو دعوة ( الناتو ) للفصل بين قضايا أوكرانيا ( القرم و الدونباس و لوغانسك ) و بين قضايا ( الناتو ) الأخرى المتعلقة بالحرب الباردة و سباق التسلح لمنع حدوث حرب عالمية مدمرة بين غرب متطور السلاح غير التقليدي و بين روسيا متطورة السلاح غير التقليدي و متفوقة على مستوى النادي ( النووي ) , و لقد أعلن الرئيس بوتين بوجود الرئيس الفرنسي ماكرون بتاريخ 8 فيفرال الجاري بأن بلاده روسيا لا تريد الحرب , و هي تعتقد بأن القرم روسي السيادة كما تعتقد أوكرانيا بأن سيادته تعود لها . و دعا بوتين الناتو للعدة للمادة 97 من اتفاقية الناتو مع روسيا لضمان استمرار الأمن بينهما و على مستوى العالم , و تصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن مفاده بأن أي اجتياح روسي لأوكرانيا سيعني الغاء أمريكا لمشروع غاز 2 الروسي الموجه لأوروبا رغم أنه يخضع لوصاية المانيا .
و للقرم اليوم و منذ الأستفتاء عليه و إعادته لروسيا خضع لتطوير ملاحظ لبنيته التحتيه و بفارق كبير عما كان عليه الحال في زمن العهدة الأوكرانية 60 عاما , فتم بناء مطار حديث فيه , و ربط بشبكة قطارات حديثة , و بطريق معبد عالي الجودة , و يخطط له روسيا لكي يصبح مقرا سياحيا متميزا دوليا , و هو مقر للأسطول الروسي الراسي في البحر الأسود , و هو نووي عملاق , و الدونباس مركز هام للفحم و بنسبة مئوية عالية , و أهم مصانع أوكرانيا تنتشر فيه , وسكانه لا يريدون الحرب مع غرب أوكرانيا لكنهم جاهزون للدفاع عن أنفسهم إذا ما تم إجتياحهم من قبل جيش الرئيس فلاديمير زيلينسكي .و في المقابل أوكرانيا دولة مستقلة و معترف فيها من قبل الأمم المتحدة , و من حقها اعتماد اللغة الأوكرانية لغة رسمية للبلاد , و فصل الدين المسيحي لديهم عن الكنيسة الروسية في موسكو , لكن الواجب التاريخي و الأخلاقي يحتم عليهم عدم محاربة اللغة الروسية عندهم , و الأبتعاد عن الطائفية الدينية بين كل ماهو روسي و أوكراني .
و أخيرا و ليس أخرا لا صوت يمكن أن يعلو على صوت المحبة و السلام بين شعبين عريقين مثل الروسي و الأوكراني , و بين الدولتين الجارتين روسيا و أوكرانيا , و بين غرب و شرق أوكرانيا , و بين الناتو و روسيا , و في نهاية المطاف العالم بيتنا و أمنه مهم للبشرية جمعاء .