لم يكن قرار الاخوان المسلمون في الأردن بمقاطعة الانتخابات يحمل أي نوع من أنواع المفاجأة لمراقبي المشهد السياسي الأردني. فمنذ أن كان قانون الانتخابات يطبخ في غرفة مغلقة بدأت الشكوك تراود الكثيرين من جدوى المشاركة في انتخابات لم يكن للأردنيين أدنى خيار بشكل قانونها أو حتى ماهيتها.
فاذا كانت الأغلبية لا تشعر بأن هذه الانتخابات تمثل ارادتهم و أن هذا القانون هو فعلاً مايرغب به الأردنيون فلماذا ستجري هذه الانتخابات؟ و ان لم تعبر هذه الانتخابات عن حقيقة ما يريده الأردنيون, اذاً فالأجدر عدم اجراء هذه الانتخابات لأن المرحلة القادمة بحاجة الى نواب وطن يقفون في وجه كل المشاريع و المخططات التي تتربص بنا.

فمن المستغرب أن ينصب مجمل الحديث المتعلق بالانتخابات عن النزاهة و الشفافية و هي أمور مفروغ منها لأننا نتحدث عن انتخابات و صناديق اقتراع و هذا أمر مفهوم ضمناً, فلو أن حديثنا و همومنا كانت متعلقة بمخرجات الانتخابات و نوعية النائب الذي يقدر على الحفاظ على الأردن و الأردنيين لما كان لحديث النزاهة و الشفافية من داع. و منذ البداية كان يجب للحديث أن يتعلق بماهية القانون الذي يريده الأردنيون و دورهم في صياغته بعيداّ عن الوصفات الجاهزة و التي تفرض فرضاً. فلابد من التذكير هنا أن التاريخ سجل للأردني يوماً انتخاب حكومته على أساس أجندتها السياسية دون الالتفات لأي اعتبارات قبلية او جهوية أو حتى مصلحية, فكانت الأيديولوجيا السياسية هي البوصلة التي توجهه و لم تكن يوماً دائرة مغلقة أو حتى وهمية.

ان انسحاب الاخوان المسلمين اليوم من العملية الانتخابية هو بلا شك أحد أبز العوامل التي ستضعف الانتخابات من جهة و ستفتح الباب أمام الكثيرين بالتفكير بهذا الخيار. و على النقيض تماماً من هذا الخيار تكمن الحاجة الحقيقية, فنحن أحوج ما نكون اليوم أن يشارك الأردنيون على حد سواء بالانتخابات. و من المستغرب أن تكون الحكومة مقتنعة أن اجراء الانتخابات بأي صورة هو الأهم. و اذا كانت الحكومة غير معنية باراء الأردنيين الذين يخالفونها الرأي فلتجري الحكومة انتخاباتها على هواها و لتشكل مجلس النواب الذي تريد ضمن مواصفاتها و مقاييسها دون الالتفات لرغبة الأردنيين.

وهنا لا نملك الا أن نذكر دولة الرئيس بقول مهم للمفكر العربي الكبير عبدالله العروي متحدثاً بهذا الخصوص قائلاً:
" لكي نحافظ على أسباب التقدم لابد من الابقاء على حقوق المخالفين في الرأي لأن الاختلاف هو أصل الجدال و الجدال هو أصل التقدم الفكري و الابتكار."
الأخوان المسلمون هم جزء لايتجزأ من التركيبة الوطنية الأردنية و لا يمكن أن يغيبوا عن المشهد السياسي و خصوصاً في الفترة القادمة, و لايمكن اعتبار عدم وجودهم أمراً عادياً.

فاذا كانت الحكومة تحرص على النجاح في امتحان الانتخابات, و أن تكون مخرجاتها ذات طابع قوي فاننا مدعوون اليوم لتقديم مصلحة الوطن و المصلحة العامة على المصلحة الخاصة و الفردية. فنجاح الحكومة في انتخابات لا يشارك بها كل الأردنيون هي خسارة للوطن, في وقت الوطن أحوج ما يكون لاجتماع الجميع على ساحته السياسية دون استثناء فكان الأجدر بالحكومة أن تعالج الأسباب التي قد تدفع للمقاطعة بدلاً من التقليل م أهمية المقاطعة.
ان المعارضة السياسية هي حالة صحية و لابد لحكوماتنا أن تقتنع أن التعددية و الاختلاف في الرأي هو أساس الحراك الذي يولد النتائج الايجابية.

قد يتحول خيار المقاطعة ليكون خيار الأغلبية و أخشى ما نخشاه أن تكون المقاطعة الشعبية الكاملة هي الخيار النهائي و عندها ستدفع الحكومة ثمن سياسة فردية القرارات التي سادت منذ بداية صياغة القانون الى اليوم.
اليوم لابد من سماع صوت جميع القوى الوطنية و ادراك أن رغبة الشعب هي الأساس و أن الحصانة لن تكون فقط بانتخابات نزيهة بل بانتخابات تجلب للمجلس كل الوطنيين الأحرار عندها لن تحتاج الحكومة للحديث عن النزاهة, و ستكون النتائج هي خير دليل على النزاهة و الشفافية و الوطنية.
و لنا هنا بقول المفكر المصري الكبير خالد محمد خالد عبرة و تذكير, اذ يقول :
" الحكم الديمقراطي ليس هو الذي يعمل لصالح الشعب فحسب بل هو – أولاً و أخيرً- الذي يعمل وفق ارادة الشعب و هو الذي يكشف بالوسائل الديمقراطية مشيئة الرأي العام و ارادة الأغلبية ثم يحولها الى قانون و يسير بها في طريق التنفيذ."