لا أستطيع أن أصل إلى مقام «ابن سيرين»، في تفسير الأحلام، ولا أن أطعن في كل تفسيرات الأحلام، ولا أعرف حتى الآن الفرق بين الأحلام وأضغاث الأحلام، كل ما أعرفه أنني كثير الحلم، لا أقصد الصبر، فصبري قليل، ولكني قلّما أنام ليلة ولا أحلم فيها حلماً أو أكثر، ولا ابالغ إن قلت أنني أصحو من منامي أحياناً بعد منتصف الليل، وأعود لأكمل نومي فأجدني أكمل حلمي، وبالطبع لا يخلو الأمر من كوابيس تأتي أحياناً على غير موعد، وفي هذه الحال أصحو منزعجاً وأقرر أن لا أعود للنوم ثانية، وإن كنت لم آخذ بعد حصة كافية من النوم، أعد قهوتي وأجلس وأنا أحمد الله أنه كان كابوساً ومضى.
لا أحاول أن افسر أحلامي، ولا أستعين بأحد لتفسيرها، حتى أنني أحفظ سرها ولا أروي تفاصيلها لأحد، الأحلام الوحيدة التي أسردها، هي أحلام اليقظة، ولا أسردها إلا لنفسي. كل شئ ما زال تحت السيطرة، وعلى الرغم من أنني لا أسعى للتفسير، إلا أن بعض الأحلام تجعلني أُدهش، كيف على سبيل المثال يزورني في منامي زميل لي في الصف الأول الإبتدائي، نسيته، ونسيت اسمه، ولم أذكره أو أتذكره منذ عقود، كيف أتى، وكيف قطع هذه المسافة ليأتيني في منامي، وكيف تحدى الزمن، بل كيف تحداني وأصر على زيارتي في سريري، وكيف وأنا لا أطيقه، دمه ثقيل، ثقيل جداً، لو كان محبباً لقلبي لسعدت برؤيته، ولو كنت أحن إليه في يقظتي، لفرحت بزيارته، وبرّرت حضوره.
كيف أفسر ما لا يفسر، حتى اللاوعي لا يستوعب هذا الوعي في ظلمات الليل، عجيب غريب هذا العقل، والأسئلة التي تقفز على الطاولة كثيرة، لماذا هذا وليس ذاك، ولماذا هذه السنة وليس في السنة الماضية، وأخيراً زارني في الليلة الماضية «رضا الفيلي»، يا الله كم فرحت به، توفي رضا منذ سنوات عديدة، وتوفيت قبله زوجته «أمل جعفر»، ورضا هو أول مذيع في تلفزيون الكويت، وأما أمل، فهي من أول مذيعات إذاعة الكويت، كنت أتحدث مع الشاعر حيدر محمود حول رضا وأمل قبل أشهر، استضافته أمل في الستينات يوم ذهب لزيارة بدر شاكر السيّاب في المستشفى الأميري قبل شهر على وفاته. لم يأت رضا إلى أحلامي بعد أن دار حديث بيني وبين حيدر محمود حوله، أتى فقط بالأمس، ولا أعرف كيف أتى، كان باسماً كعادته، مشرق الوجه، وأذكر ما قاله لي، وما قلته له، لم تدم زيارته طويلاً، لكني سعدت برؤيته، فقد كنت أحبه، وكان يحبني، أما ذلك الزميل على مقاعد الدراسة في الأول الابتدائي، فلا أريد رؤية وجهه ثانية، ولكني لا أعرف كيف.
قبل شهر حلمت بزميل آخر كان معي في الابتدائية، كنا نصطاد العصافير بالشباك، ونظلّل الشباك التي ننصبها فوق غدير ماء بالتراب الناعم حتى لا تراه العصافير، كان زميلي خبيراً، أساله: لماذا نفعل ذلك؟ يقول: لأن العصافير «نجسه»، تعرف من الشِّباك أن فخاً قد نصب لصيدها، اصطدنا مرة ما يزيد عن 70 عصفوراً، «مَصَع» رقابها بيديه، لم يذبحها، وأعطاني كل الكمية وقال: دع أمك تعد لك مقلوبة عصافير، وعندما عرفت أمي كيف فارقت العصافير الحياة، دفنتها ومنعتني من صداقة ذلك الولد، وانتهت العلاقة قبل حوالي خمسين عاماً. كيف أتى «شكري» إلى مناماتي بعد نصف قرن، ماذا يقول ابن سيرين !
(الدستور)