هطلت ثلوج الخير وأمطار البركة بعد أن استجاب رب العالمين لأدعية عباده فابتلت عروق الأرض وجرت المياه بشرايينها فرحة مرحة شاكرة رب العالمين..
إلا أن ثقل العاصفة الثلجية وعدم قدرة الأشجار المفرّعة بكل مكان على تحمل هذا العطاء الكبير أسقط بعضها على الأسلاك الكهربائية وأعمدة الهاتف.. الخ، مما خرب الكثير وقطع التيار الكهربائي عن مناطق عديدة في عمان..
علماً بأنه لطالما تم تحذير أصحاب الجنائن والمزارع والقاطنين قرب أرصفة ترتفع فوقها الأشجار العالية تلاصق الكوابل بانواعها: (حذار حذار) إذ لا بد من تقليم وتخفيف الغطاء الأخضر الملاصق للبيوت وأعمدة الهاتف والكهرباء..
ولكن للأسف لم يستجب أحد فكل يعتبر شجرته مقدسة لا يجوز النيل منها بأية طريقة كانت، مشيرين دوماً إلى أشجار الآخرين التي تستحق القطع والتقليم..
متسائلين بنرجسية: لماذا شجرتي بالذات؟
نعم للأسف السبب وراء هذا العند هو ارتفاع نسبة النرجسية..
بالمناسبة.. تبدأ «النرجسية» عند الأطفال كنوع من لفت الأنظار لالتقاط نظرة رضا من هنا أو تربيتَة على الرأس من هناك أو مسامَحة عن هفوة بسيطة ارتكبها الطفل البريء..
وهذا بمجمله بمثابة سلوك عادي كجزء لا يتجزأ من طبيعة الطفولة البشرية وحاجتها للكنْكنَة والحنان، وكلها تبقى بالسليم ما دامت أنها تظل ضمن المعقول حتى يقرع جرس إنذار ظاهرة «دللّوني واللا بَحْرَدْ » ليصبح «دلَعاً» ثقيل الدم يتجذر تدريجياً وينمو على كَبَر بحيث يغدو هذا الناضج رجلاً أو امرأة دلّوعا/ دلّوعة/ يوتّر وجودهما الأجواء إذا لم ينل أحدهما التمجيدَ الكافي أو الموافقة على رأيه..
ويتعاظم «الدلَعُ» ليصبح «أنانيةً مفرطة» وذلك وفق جينات المرء وبيئته المحيطة.. وأحياناً يتطور «الدلع السَّمِج» بأنانيته المفرطة ليصبح نرجسيّة تتراوح بين البسيطة والخبيثة فيحيط النرجسيّ كل من حوله بضغوطات «مقيماً الدنيا ولا يقعدها» عند مخالفته رأيه منقلباً الى «بركان ثائر» إذا لم يعجبه العجب، بخاصة إذا كانت حالته تندرج تحت «النرجسيّة الخبيثة» المستفحلة التي يصعب علاجها.. ولهذا يختصر المحيطون به شرَّه بإعطائه مايريد على مضض وهنا قمة الخطأ لأنهم يفتحون المجال امام شراسته أكثر وأكثر!
فالأزمة الحقيقية للنرجسية تسير يداً بيد «دللّوني واللا بزعل» وهي لبّ ونخاع البنية التحتية التي ترتكز عليها النرجسية العادية والخبيثة.. وما بينهما..!
فالنرجسية «الكاملة"الخبيثة تشكّل كارثة كبرى للمحيطين بالنرجسي من أسرة وأصحاب وزملاء عمل لكونهم يقعون بدائرة المعاناة، حيث يصف أحدهم معاناتِه بقوله: عندما نتعامل مع أناسٍ نرجسيّين نرجسيَّةً خبيثة، تصبح الأمور صعبةً ومرهقةً للغاية؛ فقد تجد نفسك قد ابتعدت عن «شخصيتك الحقيقية»، وحُرِمتَ من القيام بالأشياء «التي تُحبها»، وأصبحتَ «تدور في فلَكِه"مُرغماً على قوْل وفعل أشياء لا تريدها؛ وذلكَ رغمَ محاولتك تجنُّب فعلها أو قولها.
نعم صحيح فهؤلاء النرجسيون يتلذذون بمعاناتك ويحاولون عزلك عن الأشخاص من حولك لا يتقبّلون انتقادَك لهم فيعيشون حالة دائمة من الشّك، ولهذا دوماً يتلاعبون بك مُسْبَقاً بدون أي ذنب ارتكبته يفعلون ذلك «تحسُّباً» أن تسبقهم وتتلاعب بهم!
كما يرفضون تحمل مسؤولية عواقب أفعالهم تجاهك، وتكون حاجتهم الى اهتمام الكثيرين بهم هي شغلهم الشاغل.. كما يحسدون الآخرين ويقللون من قيمة انجازاتهم ومع ذلك اذا اقتضت الحاجة يستطيعون ان يكونوا جذّابين متى ارادوا ذلك لخدمة مصلحتهم.. علما بأن أكثر السّمات المقلقة في اضطراب الشخصية النرجسية، هو عدم الشعور بالتعاطف مع الآخرين وهنا تصبح خطيرة مدمرة..
فالنرجسيّة تصيب العديدين وفق جيناتهم وتربيتهم لتغدو بمثابة الخطر الأكبر فكم نرجسي قاد بلاده الى حروب و كوارث مهلكة بسبب ارتفاع «ثيرموميتر النرجسيّة» عنده نتيجة جنون العظمة المصاحب لنرجسيته..
فلننتبه/ اثناء تربيتنا لفلذات اكبادنا/ لأعراضها البسيطة التي تستفحل بمرور الزمن لتصبح «جائحة نرجسية» ينفّذها النرجسيّون عبر أساليب «ميكافيللية» بشعارها «الغاية تبرر الوسيلة» وهنا مكمن الخطر..!!
حمانا الله من النرجسيّة والنرجسيين وكثّرَ اللهُ من عبادِهِ المتوازنين!
(الرأي)