قراءة في الرسالة الملكية: هل سنثبت باننا أهل العزم لنا ولمستقبلنا؟
تهاني روحي
08-02-2022 12:31 AM
أننا نبدأ العام الأول في المئوية الثانية من عمر دولتنا، مصممين على اكمال مسيرة التطوير، ونتجاوز ما نواجه من تحديات ، وبتخطيط مؤسسي سليم، وبرؤية واضحة. بهذه الكلمات وجه جلالة الملك عبدالله الثاني كلمته الى الأردنيين في عيده الستين.
في الواقع ان رسالته كانت عميقة بحيث سلطت الضوء على عدة معطيات هامة والتي نستقرء منها الكثير من الرؤى المستقبلية لدولتنا، وفيها الكثير أيضا من المحاور المفصلية، وبكل صراحة طلب منا ان نتخطى جميع التحديات، بعزم لا يلين وبارادة مجتمعية وسياسية.
فجلالته يقول نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص، فتزداد الفرص على مستوى متكافئ، ونواجه الفقر والبطالة بكل عزم، ونحد من عدم المساواة، وينطلق شبابنا في آفاق الريادة والابتكار. ففي بلد 44,3% من السكان تقل أعمارهم عن 19 عاماً ، وتشكل الإناث ما نسبته 48,4% منهم ، فإن المستحيل سيغدو ممكنا بهمة واصرار وطاقات الشباب.
واذا ما اردنا بالنهوض بعمليتنا التعليمية فلا بدّ للتعليم أيضًا أن يخلق بُعداً اخلاقياً متيناً. وعلى المدارس أن ترسّخ في أذهان الطلاب المواطنة وتعزز مبدأ الوحدة في التنوع والاختلاف وأن تعزز تنوع وغنى المجتمع الأردني بحيث تتنعكس على مخرجات التعليم كمساواة المرأة والرجل، وتمكين المرأة ونبذ التعصبات، واتفاق الدين والعلم وهي بالمحصلة النهائية ستبني جيلا بأكمله منفتحا ويحترم التعددية. ويتطلّب الأمر الاهتمام بتربية الأطفال بحيث تخرج تلك القدرات المكنونة فيهم إلى حيّز الوجود. فالتعليم المناسب للأطفال هو أمر في غاية الاهمية لتقدم المجتمع، وإنّ جوهر كافّة أنواع التعليم وأساسه هي التربية الأخلاقية المبنية على القيم والتي تعمل على تشكيل شخصيّاتهم.
ثم يعود ليضع جلالته جل اهتمامه بقضية البطالة ويضع مسؤولية خاصة على أكتاف القطاع الخاص. خاصة وان البعد الاجتماعي للبطالة يظهر بوضوح حتى في مشاركة المرأة اقتصاديا. وعندما يثق المواطنون بمعايير العدل يصبحوا متيقنون من المنافع التي تنطبق بالتساوي على الجميع. وتصبح امكانية التقدم على أساسٍ من الاستحقاق والجدارة. فهو مطلب ملح للشباب في أن تتم معاملتهم على أساس الكفاءة والمساواة. فطموحات الشباب السامية وتطلعاتهم العالية تمثّل أمانة لا يملك المجتمع ككلّ – وحتى الدولة في الواقع – تجاهلها اقتصادياً أو معنويًا.
ولا بد من الاشارة الى ان الانتقال لنظام اجتماعي ومجتمعي جديد وفاعل، يحتاج لتضحيات بمؤسسات أصبحت قديمة ومترهلة ، والانتقال إلى نظام اجتماعي، تستجمع فيه عمليات البناء زخمًا جنبًا إلى جنب مع عمليات الهدم والتفكك.
ولأن تقدّم المجتمع لم يكن على حساب فرديّة الإنسان، بل من خلال وعينا الجماعي، فقد اتّسع مجال التّعبير هنا عن القدرات الكامنة في كلّ إنسان. ولأنّ علاقة الفرد بالمجتمع علاقة تبادليّة، فإنّ التّحوّل المطلوب الآن يجب أن يأخذ طريقه من خلال وعي الفرد وتركيبة المؤسّسات الاجتماعيّة في آن معًا.
لذا، فاننا اليوم في أمسّ الحاجة لمزيد من الأمل. وأننا على يقين تام بأنه مهما بلغت صعوبة الأمور في الوقت الحاضر، ومع أنّها شارفت على بلوغ الحدود القصوى لتحمّل بعض أجزاء المجتمع، ولكننا سنعبُر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف، لتظهر على الجانب الآخر وقد اكتسبنا رؤيةً أوضح وتقديرًا أعمق لوحدتنا المتأصّلة.
ويعود ليؤكد جلالته باننا لن نجد الحلول إن بقينا في دوامة لوم وتشكيك وتغييب للحقائق والمنطق والعقلانية، ولن نخرج من هذه الدوامة إلا بشراكة حقيقية بين الحكومة والمواطنين للتصدي للإشاعات. اذن لا بد ان نثبت كأردنيون باننا أهل العزم ولن نقبل إلا الأفضل لنا ولمستقبلنا.