التعليم العالي .. ليس بضاعة للبيع
د. محمد القضاة
02-08-2010 01:52 PM
أستغرب أن يكتب الزميل سلطان الحطاب بدفاع مستميت عن الاستثمار المالي بالجامعات الخاصة دون أدنى اعتبار للتميّز العلمي وجودة التعليم الذي يبحث عنه كل من يعنيهم التعليم العالي في بلدنا، ومن يقرأ ما كتبه في جريدة الرأي يومي الجمعة والسبت30 و31/7/2010 في مقالتيه: "التعليم العالي وما آل إليه «1»" و" التعليم العالي... لماذا العودة لاختراع العجلة؟"
يستغرب تلك الأطروحات التي تصادر حق مجلس التعليم العالي وحق الحكومة في الاصلاح واتخاذ القرارات الأكاديمية المدروسة في سبيل اعادة الحياة للتعليم الجامعي المتوسط الذي سرقه بريق الجامعات في غفلة من الزمن، متناسيا زميلي العزيز أن الطالب الضعيف لا يمكن أن يكون مبدعا، وان العجلة المخترعة هي لأجل الانطلاق الصحيح، وكنت أتمنى أن تسمع لاساتذة الجامعات في الميدان وتعرف معاناتهم مع الطلبة الضعاف؛ الطلبة الذين يسجلون في الجامعات بأموال اسرهم على شحها وبالكاد يصلون علامة النجاح.
فكيف يحصلون على معدلات تراكمية تؤهلهم للمنافسة التي تبحث عنها جامعاتنا الاردنية؟ ولتعلم أنّ المقتدر ماليا لا يبعث أولاده الى جامعاتنا المحلية ظنا منه أن الجامعات الخارجية أفضل من جامعاتنا، وتعالى معي لترى ما وصلت اليه جامعاتنا مؤخرا في التصنيفات العالمية والاقليمية والمحلية، تلك التصنيفات التي انتقدتها أنا من هذا المنبر قبل عامين نقدا لاذعا بمقالتين متتاليتين؛ لأنني أرغب أن ارى جامعاتنا في مقدمة جامعات الدنيا، ولا أنسى النقاش الحاد يومها مع ثلاثة من نواب رؤساء جامعاتنا ممن استهتروا بالتصنيفات لان جامعاتهم كانت حينذاك في ذيل القائمة، واليوم يجب أن نثمن لجامعاتنا وعلى رأسها جامعتي الأم الأردنية التي تقدمت بثقة الى الأمام كما جاء في تقرير الرأي المنشور يوم السبت 31/7/2010 "جاءت الجامعة الاردنية في المرتبة 2462، بعدما كانت تحل في المرتبة (4874) وفقا للتصنيف الصادر في تموز من العام الماضي.
ومتقدمة بواقع (2000) مرتبة تقريبا، عما كانت عليه في التصنيف الصادر في كانون ثاني الماضي.في حين أن جامعة العلوم والتكنولوجيا، جاءت في المرتبة (2655)، تلتها جامعة اليرموك (3005) وبعدها الهاشمية (3880)، ثم جامعة البترا (4346)، ففيلادفيا (4420)، الجامعة العربية المفتوحة – فرع الاردن (4499)، وال البيت (4637)، البلقاء التطبيقية (4955)، مؤتة (5330) والألمانية- الاردنية (5666)، و جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا(6788).اما عربيا، فقد جاء ترتيب الجامعة الاردنية في المرتبة (18) تلتها العلوم والتكنولوجيا (19) ثم اليرموك (26)، فالهاشمية (38)، البترا (40)، فيلادلفيا (44)، العربية المفتوحة –فرع الاردن (45)، جامعة ال البيت (50) عربيا، البلقاء التطبيقية (57)، مؤتة (64)، الألمانية- الاردنية (69)، جامعة الاميرة سمية للتكنولوجيا". ألا يشكل هذا نقلة نوعية لجامعاتنا، وكان لقرارات التعليم العالي المدروسة ومتابعتها عن كثب واستجابة الجامعات الأساس الذي أدى لهذه النقلة النوعية، وهو ما يبحث عنه مجلس التعليم العالي والجامعات والمعنيين كافة لانطلاقة الجامعات وتقدمها، لا نريد أن نقلل من دور الجامعات الخاصة لانها جامعات وطنية واساتذتها يرفضون أن تكون جامعاتهم خارج التميز والابداع، وبالتالي لا يجب أن ننظر الى الجامعات كاستثمار مالي فقط، ولا نقبل أن نبيع تميز الجامعات الاردنية بمال الدنيا، نحن نطالب بالتميز العلمي لجامعاتنا وبالجودة النوعية لمخرجاتها، ولا يهمنا في المحصلة المال الذي يذهب معظمه لجيوب عدد من المستثمرين، فاين مشاركاتهم في ردم جيوب الفقر في بلدنا ؟
لماذا لا تخفف تلك الجامعات من ارباحها وتشارك هموم الاباء في الرسوم العالية التي تجنيها جامعاتهم؟ ولا أنسى أن بعض المستثمرين لا يخصصون نسبة ولو بسيطة من ارباحهم للطلبة الفقراء الذين تنقطع فيهم السبل لاكمال دراساتهم في أثناء دراساتهم داخل الجامعات الخاصة، لكن أود أن أقول للزميل أن اللجنة الملكية التي اشرت اليها لا علاقة لها بالتعليم العالي؛ وانما جاء تشكيلها قبل سنتين للنظر في قضايا التعليم العام، أي التعليم ما قبل الجامعي وبالتالي ليس هذا مجال اختصاصها ونتائجها لم تقدم أو تأخر، وقد جربنا بعض أعضاءها في القيادات التربوية والجميع يعرف النتائج السلبية التي تركوها خلفهم وخاصة في أزمة المعلمين التي لم تهدأ بعد، وبخصوص رفع المعدلات فاعتقد أنّ المختصين في هذا المجال لديهم ما يكفسي لاقناعنا بجدوى ذلك، وقد جربت جامعة الاميرة سمية للتكنولوجيا هذا النهج على مدار عمرها؛ إذ تقبل الطلبة بالتنافس، وكانت النتائج مشرفة، وهذا بسبب رفع المعدلات،وهذه هي الوسيلة الناجعة في تحسين نوعية التعليم، ولا أدري لماذا التباكي على اقتصاديات التعليم هل هو التباكي على عدد من المستثمرين الذين لا هم لهم سوى أموالهم ،لماذا لا ننظر إلى جودة التعليم ونوعيته وتنافسيته؟
لماذا لا نطالب بالتنافس الأكاديمي مع الجامعات المتميزة بالعالم وحين يكون التعليم العالي منافسا نستقطب أضعاف الطلبة الباحثين عن جامعات متميزة في علمها وأكاديميتها، ولا نريد أن ندخل في خانة أن طلبتنا سيهربون الى جامعات مجاورة، هذا كلام يردده اصحاب الجامعات الخاصة بهدف زيادة أرباحهم، وهو يتقاطع مع رغبة الدولة والحكومة وهيئات التدريس التي تبحث عن التميز والإبداع، أما قصة أن يذهب اولادنا الى بيئات خارجية وهم في سن صغيرة فكل قيادات الدولة الأردنية سافرت في هذا السن وعادت وبنت الاردن على أحسن المستويات، أما الطلبة العرب فدولهم تطالب أن ينطبق عليهم ما ينطبق على طلبتنا دون أن يعفى أحد منهم بشيء خاصة امتحان التوفل؛ لأنهم يبحثون عن الجودة والمخرجات العلمية الجيدة، إن القرارات التي نتابعها من الحكومات المتعاقبة هي قرارات مسؤولة وتهدف الى تحسين مستويات الجامعات وليست عشوائية أو ارتجالية وترغب أن تصل جامعاتنا الى مستوى هارفرد وييل وكامبردج واكسفورد ولم لا ؟
واخير أتمنى أن ندافع عن الحق، وان يكون الوطن هو العنوان الذي يدفعنا للبحث عن التميز والابداع، وبالتالي لا نريد لاعبين في غير اختصصاتهم؛ بل نريد ان يعرف كل واحد منا ان التعليم العالي ليس بضاعة معروضة على أحد؛ ولا يجوز أن نقدم مصالحنا على مصلحة الوطن خاصة أنّ التعليم العالي يتعامل مع اعز فئة في بلدنا الشباب أمل المستقبل، ومن حقهم أن يتعلموا أحسن والتعليم وافضله، وتحية لكل قلم ملتزم يضع الاردن في قمة حروفه.
mohamadq2002@yahoo.com