المقالة الجامعة .. الحلقة السابعة
اللواء المتقاعد مروان العمد
07-02-2022 01:50 PM
ادراكاً من جلالة الملك المعظم بأن الاصلاح السياسي على اهميته غير كاف ، وانه لا بديل من تحقيق الاصلاح الاداري والاقتصادي ايضاً ، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها الاردن ، وارتفاع نسبة البطالة ، وارتفاع اسعار المواد الغذائية والمحروقات والكهرباء والماء والخدمات العامة ، وما رافق ذلك من انخفاض الدخل وزيادة عدد العاطلين عن العمل ، واغلاق المحال والمنشآت الصناعية والتجارية نتيجة انتشار وباء كورونا .
لذا فقد اولى جلالته اهتمامه الكبير في عملية اصلاح القطاع العام ، وتم تشكيل لجنة خاصة لتحديثه . وقد التقى جلالته مع رئيس واعضاء هذه اللجنة واكد لهم على اهمية ربط نتائج عملها بجدول زمني قابل للتطبيق ، وبشكل يلمس المواطنين انعكاسه على حياتهم، وان يتزامن ذلك مع عملية الاصلاح السياسي . معربًا عن تطلعه لرؤية مخرجاتها في وقت قريب .
كما التقى جلالته رئيس مجلس الاعيان ورؤساء اللجان في المجلس حيث قال جلالته ان الاردن ماض في مسيرة التحديث السياسي دون تردد وتوقف ، واننا واثقون من النجاح بأرادة الاردنيين . وقال جلالته ان التصدي للبطالة يتطلب قرارات شجاعة وتعاون مستمر بين القطاعين العام والخاص . وان تحدي المياه سيواجه دول الاقليم في الاعوام العشرة المقبلة . وشدد على اهمية العمل الجماعي المبني على تشاركية حقيقية داعياً الى تقبل الآراء ، وتجاوز الخلافات الشخصية في سبيل المصلحة الوطنية .
كما التقى جلالته مع مجموعة من سيدات المجتمع وقال لهن انا عندما اتحدث عن الاردنيات ، اتحدث عن الام ، وعن الدكتورة ، وعن المعلمة وعن العسكرية . وانتن نصف المجتمع وانا فخور بكن .
وفي لقاء لجلالته مع ممثلين عن القطاع التجاري بشرهم بقرارات اقتصادية مقبلة تتعلق بالاصلاح الاقتصادي والاداري . وعن قرارات سوف يتم اتخاذها تتعلق بالحد من الفقر والبطالة ، مما يعد رسالة أمان للتجار والمستثمرين
كما تحدث جلالة الملك عن الخطط الاقتصادية التي سيتم عملها في العقبة خلال السنوات الخمس القادمة ، وعن سكة حديد العقبة عمان وعن مشروع قناة البحرين .
كما وان دولة الرئيس بشر الخصاونه خرج عن صمته خلال الاسابيع الماضية . ودافع عن التعديلات الدستورية والتشريعات الناظمة للحياة السياسية والتي تمهد للحكومات الحزبية . وعن ضرورة ان يترافق ذلك مع تحديث المنظومة الاقتصادية الادارية . واهمية الشراكة مع القطاع الخاص . وعن لجنة تحديث القطاع العام والتي ستقدم خارطة طريق تفصيلية خلال ستة اشهر . كما تحدث عن اتخاذ قرار في مجلس الوزراء باعادة هيكلة التعرفة الجمركية .
وتحدث وزير الزراعة عن خطة تنمية زراعية خلال الايام القادمة . وأكد وزير الاستثمار التزام الحكومة بدعم المستثمرين بهدف جذب المزيد من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية .
وكل ذلك يدل على مدى حرص جلالة الملك على القيام بنهضة ادارية ،اقتصادية ، استثمارية شاملة في الاردن .
الا ان هذا الامر قد استقبل من قبل البعض بالهجوم والتشكيك . وقيل انها إجراءات شعبوية تهدف الى تخفيف الاحتقان بالشارع الاردني فقط . و عن تخفيض الضريبة فقد قيل انها ستكون على حساب المصلحة الوطنية ، وسوف تؤدي الى افضلية البضائع المستوردة على المحلية . وستسبب بهجرة الصناعات الاردنية بسبب خسائرها المتوقعة . مع ان هذا كان مطلب التجار بكافة فئاتهم ، عدا عن كافة المواطنين . ولم يكتفي المعلقين على هذه الإجراءات والقرارات بذلك ، بل جعلوا منها مادة للسخرية على الحكومة وقراراتها .
وعاد البعض للحديث عن قيام الحكومة بيع شركات استثمارية خارجية قطعاً من الاراضي باسعار اقل من اسعارها السائدة في ذلك الوقت . متجاهلين ان الدولة عندما تريد استدراج استثمارات خارجية فلا بد من ان تقدم تسهيلات واعفاءات للشركات الاستثمارية تغريها بالاستثمار، ومنها بيعها الارض باقل من قيمتها بقيمة معقولة لاقامة الاستثمارات عليها ، بالاضافة الى اعفاءات وتسهيلات جمركية وضريبة اخرى . وهذا مبدأ اقتصادي معروف ومعمول به في مختلف دول العالم . وكما ان من اساليب جذب الاستثمارات هو ان تقوم الشركات الاستثمارية بالبناء من اموالها على ارض مملوكة للدولة ، مع اعطاء هذه الشركات حق ادارتها واستثمارها لعدد من السنوات مقابل نسبة من الدخل ، يتم تسليمها بعد ذلك كاملة للدولة .
كما ان الكثير من دول العالم تقوم ببيع بعض المشاريع الاقتصادية التي تملكها لشركات استثمارية وخاصة عند تعثر الادارات الحكومية في ادارتها والحاق الخسائر المادية فيها ، او عدم تحقيق الارباح المرجوة منها . ومن الطبيعي ان تباع هذه الشركات باقل من سعرها الدارج لجذب الشركات التي يمكنها ادارة هذه المشاريع . صحيح ان كثيراً من الشركات الاردنية قد تم بيعها باقل من سعرها ، ولكن لا يمكن انكار ان هذه الشركات قد حققت بعد بيعها ارباحاً كثيرة وارتفعت قيمتها ، مما حقق ارباحاً لمالكي اسهمها من الاردنيين ، والى تحقيق دخل للدولة اضعاف الارباح التي كانت تحصل عليها منها قبل بيعها . ناهيك عن تجنب الخسائر التي كانت تتحملها من ورائها . وذلك لان الحكومات دائماً ما تكون تاجراً و مستثمرا فاشلا .
القصد من حديثى انه ليس العيب في البيع او التأجير لشركات استثمارية . وخاصة ان هذه المشاريع ستبقى على ارض الوطن . طالما الهدف من بيعها تحقق ارباح ترفد ميزانية الدولة ، وتوفر فرص عمل للكثير من المواطنين . على ان لا تكون تلك الشركات المباعة تنتج خدمات ضرورية للمواطنين ، وتجعلهم بعد بيعها رهن تحكم هذه الشركات بهم . انما العيب في حال البيع عن سوء نية ولتحقيق مصالح شخصية وعمولات للبعض .
اما عن المطالبة باسترداد الشركات والممتلكات المباعة ، فقد اصبح شعارا لا اثر له على ارض الواقع ، وخاصة من قبل حملة الشعارات الرنانة والتي تستجلب لهم الدعم ولا تكلفهم شيئ طالما هم على مقاعد المعارضة . فمن باع بيته بسعر رخيص ، لا يستطيع المطالبة باسترداده اذا ارتفع سعره فيما بعد ، وخاصة اذا ادخل عليه المالك الجديد تحسينات ترفع من قيمته . وحتى في حالة الغبن الشديد فأن استرداده يتطلب شروطاً مشدده ، ومنها ان يكون سعر البيع اقل من القيمة الحقيقية باقل من الثلث ، وان يكون قد تم اقناع البائع بالسعر عن طريق الغش والخداع ، او ان لا يكون البائع يتمتع بالاهلية الكامله ، لتبرير فسخ العقد . وحتى معرفته انه وقع ضحية غبن وعدم مطالبته بفسخ البيع فور علمه يسقط حقه في ابطاله . علماً ان هذا الامر لا ينطبق على الممتلكات الحكومة او الشركات التي تساهم بها الحكومة ، لأن لدى هذه الجهات امكانيات استشارية وقانونية لا تجعل منها ضحية الغبن الشديد . وان البيع يتم لجهات تعرف كيف تحمي نفسها قانونياً بحيث لا يمكن فسخ العقد بعد عشرات السنين من عقده ، وكما انها تتضمن شروطاً جزائية كبيرة في حالة رغبة احد الاطراف بفسخ العقد . حيث لا يمكن استرداد هذه الممتلكات او المؤسسات الا اذا تم اعادة شراؤها وبالسعر الذي يفرضه لمالك الجديد لها . ولا يبقى لدينا الا محاسبة الذين قاموا ببيع هذه الشركات والممتلكات اذا ثبت ان ذلك كان عن سوء نية او مقابل عوائد ومصالح وعمولات غير شرعية . والذين قاموا باختلاس او سرقة عوائد هذه الممتلكات التي تم بيعها . وذلك عن طريق محاكمتهم وتغريمهم ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم .
المستقبل هو للاستثمارات وللمشاريع الصناعية ، ولا بد ان يتم قسم منها باحد الطرق التي ذكرتها ، فاذا بقينا على تفكيرنا في هذه الاستثمارات فأننا لن نتستطيع ان نجذب شيئاً منها ، وسنكون نحن والوطن اكبر الخاسرين . اما التغني بثروات بلادنا والقول انها تعوم على بحيرات من البترول والماء ، وكنوز من المعادن والمواد الخام وان صدق ذلك ، فأن هذه الثروات تحتاج الى ثروات لاستخراجها لا نملكها ، ولا بد ان يكون ذلك بالتعاون مع جهات اخرى ، وهي لن تقدم لنا هبات ولا حتى قرض حسن ، بل هي تسعى لمصالحها أولاً . وعلينا ان نتصرف على ضوء ذلك من غير ان يعني هذا التخلي عن سيادتنا على وطننا ، وان لا نرهن انفسنا وقرارنا للآخرين . وباختصار ان يتم ذلك على اساس تبادل المنافع ، وان نكون نحن اكبر الرابحين .
يتبع الحلقة الثامنة