إقتراب روسيا الاتحادية من جمهورية الصين الشعبية حديثا عبر زيارة هامة قام بها الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيج بوتين بتاريخ 4 فبراير الجاري 2022 الى ( بكين ) للمشاركة في حضور الأولمبياد الصيني عالي الترتيب و المدهش ومباركته , و التوجه بعدها لتوقيع اتفاقات اقتصادية هامة بحجم 20 إتفاقية و في مقدمتها ماله علاقة بمادة الغاز الروسية و لمدة 30 عاما إلى الأمام , أعطى مؤشرا على مسار ماراثون سياسي جديد بين موسكو و بكين , و هو ما أكده مساعد الرئيس الروسي ( يوري أوشاكوف) لوسائل الأعلام . و بوتين الذي أرهقته السياسة الإقليمية و الدولية ذات العلاقة بشأني حلف ( الناتو ) العسكري , و الملف الأوكراني , طار إلى ( بكين ) فرحا, مرتديا أجمل بدلاته الرسمية السوداء للقاء صديقه الرئيس الصيني الجديد (شي جين بينغ ),الذي قابل بوتين بالحديث معه باللغة الروسية مباشرة, مرحبا بقدومه ,ووفق إتفاق بروتوكولي مسبق خاص بظرف - جائحة كورونا - لم يصافح بوتين – بينغ ,صاحب الدار( الصين) , و بعد لقاء موسع حضرته القيادتين الروسية و الصينية , تم ترتيب دعوة غداء للرئيسين الروسي و الصيني بشكل منفرد , بعيدا عن عيون الوفدين المرافقين بهدف تعزيز العلاقات الشخصية الرئاسية بينهما لما لها من أهمية قصوى في ترسيخ العلاقات الودية و الطيبة و الإستراتيجية بين البلدين الصديقين ( روسيا و الصين ) ,وهما اللذان يبتعدان عن بعضهما البعض مسافة تزيد عن 5 الاف كيلومتر جوا , و يربطهما خط من الغاز السيبيري بمسافة تقارب ال 3 الاف كيلومتر.
والرئيس بوتين الذي فضل تغيير مسار طاولة العمل الرئاسية في قصر ( الكرملين) من ( الناتو ) و (أوكرانيا ) إلى ( بكين ) , لاحقته عيون المعارضة الروسية , و إشاعات الإستخبارات الأمريكية والأوكرانية إلى هناك . فالمعارض الصحفي المشهور أندريه كاراولوف إنتقد مثلا عدم مصافحة الرئيس الصيني لرئيس بلاده روسيا , و لم يستوعب البروتوكول الخاص بكورونا , و المعارض الروسي المشهور أيضا مكسيم جيفجينكا إنتقد إهتمام الصين بدول أسيا الوسطى سابقا ,و دعوتهم الى إجتماع من دون حضور روسيا , وقراءة للغة ( جسد ) بوتين في الصين اظهرت للإستخبارات الأمريكية و لأوكرانيا عزم بوتين من الصين ( و هو مجرد هوس و باراسايكولوجيا - تخاطر) التخطيط لمهاجة أوكرانيا و إجتياح ( كييف ),و رغبته الإحتفال بذلك في عيد الرجال و عيد الجيش الروسي القادم بتاريخ 23 فبراير 2022 , و بث و تصوير مدرعات روسية مغطاة بأقمشة بيضاء يتم تجهيزها لغاية الإجتياح الروسي المزعوم , و هو خيال و سراب أيضا , ومادة تصلح لفلم سينمائي أكثر.
وأمريكا التي تواصل سلوكها في توجيه عقوبات على روسيا ( كل ما دق كوز سياستها بجرة روسيا وسط بقاع العالم ) , و هي التي تعمل ليل نهار على تشويه صورة الدولة الروسية الناهضة , يصعب تصنيفها , وهي قائدة ( الناتو ) على أنها دولة فاضلة , ناشرة للسلام في العالم , و صديقة البشرية ؟! ( العراق و سوريا,و اليمن , و صفقة القرن حول القضية الفلسطينية, و أفغانستان , و أوكرانيا , و تحرشات ( الناتو) بالحدود الروسية) خير مثال . و أتذكر هنا سؤالا وجهه لي المرحوم عدنان أبوعودة نهاية عام 2021 في مقر الجمعية الأردنية للقيادات الأدارية بعمان , مفاده ,هل أنني أعتقد بأن روسيا ستأخذ مكانة أمريكا في إتخاذ القرارات الدولية على مستوى العالم ؟ و أجبته وقتها , بأن أمريكا شأن اخر تعمل على للسيطرة على أركان العالم من وسط قطبها الأوحد , بينما تتمسك روسيا بخيار المعارضة ,و تقود عالم الأقطاب المتعددة و بتوازن .
وكما أن روسيا دولة عملاقة عظمى , تتحدث السياسة وفقا لأحكام القانون الدولي , و تقود المعارضة بإسم الشرق و شعوب و دول العالم الموزعة على شكل أقطاب , نجد بأن الصين دولة عملاقة فرغت ذاتها لقيادة الأقتصاد العالمي , ورغم علاقتها الإستراتيجية مع أمريكا و دول العالم , إلا أنها تلعب دور السند و المساند السياسي و العسكري و الأقتصادي مع روسيا , و تتبادل معها كافة أنواع التعاون و على قاعدة من الدفىء و المحبة , وحجم تبادل تجاري بين روسيا و الصين وصل اليوم الى 140 مليار دولار , و تصريح سابق للرئيس بوتين لوكالة الأنباء الصينية ( شينخو) قبل زيارته للعاصمة الصينية ( بكين ) ثمن فيه قوة العلاقات الروسية - الصينية وعلى كافة المجالات.
والممكن ملاحظته بدقة هنا هو بأن العلاقات الأقتصادية الروسي – الصينية و العالمية تصب في مصلحة تقوية صوت روسيا العادل وسط العالم , و هو الصوت الرافض لهيمنة القطب الواحد الأمريكي – الغربي على أركان العالم في زمن حاجة روسيا لأنجاح سياسة تعدد الأقطاب العالمية وعلى قاعدة الأحترام المتبادل و عدم التدخل بالشأن الخارجي لأية دولة مهما صغر حجمها , و في المقابل ستبقى الحرب الباردة من جهة الغرب , ومعها سباق التسلح باهض الثمن ورقة ضاغطة على الأقتصاد الروسي , ناهيك عن عقوبات أمريكا التي تستهدف روسيا من حقبة رئاسية أمريكية الى أخرى , بهدف إضعاف روسيا من الداخل , ولتشجيع ثورة برتقالية داخلها ,لكن الصحوة الأمنية الروسية متوفرة و تفوق الشعبية , و تتمثل الضغوطات في الأبقاء على شوارع المدن الروسية من الدرجة الثالثة من دون شوارع داخلية و بنسبة مئوية عالية و متفاوتة , ومنها القريبة من العاصمة موسكو, وهنا لا أتحدث عن القرى , و لاتزال المستشفيات الحكومية الروسية محتاجة للإسناد المالي و التقني , و على مستوى توفير عدد و نوعية الأطباء المختصين ,ولازالت مؤسسات تنظيف الملابس ( دراي كلين) قديمة , و الحديثة محدودة الأنتشار , و الرواتب و التقاعدات الحكومية ضعيفة , وأسعار المحروقات المحلية الروسية ( بنزين- غاز – سولار ) مرتفعة على الموطنين ,وكذلك الأمر بالنسبة لأجور المواصلات ( الباصات ,و الميترو , و القطارات ,ومنها السريعة (سان – ساب ) , و السياحة الروسية محتاجة لبنية تحتية قوية , و أسعارها غالية , و هي مهاجرة للمناطق الدافئة التركية و العربية تحديدا , و تستطيع أن تستفيد من الفندقة العالمية ,و العربية , و الأردنية بوجه الخصوص .
وإقتراب روسيا مجددا من الصين يعزز التوجه الروسي منذ انهيار الأتحاد السوفيتي عام 1991 لتشكيل عالم متعدد الأقطاب , و سيادي , و متوازن , و متعاون , و قادر مجتمعا على مجابهة تغول القطب الواحد و سياساته في السيطرة و الهيمنة على أركان العالم , و إمتهان توجيه العقوبات من دون وجه حق أو أحقية قانونية , و الأصل الأحتكام دائما لمجلس الأمن , و للأمم المتحدة , و للمحكمة الدولية ,ولا صوت يمكن أن يعلو على أصوات الشعوب و الدول المستقلة , و الأحتلال الأسرائيلي وسط عالمنا العربي الأصل أن يزول , ومعه مستوطناته غير الشرعية,وهكذا تريد الشرعية الدولية منذ عام 1967 , و لا مخرج لقضايا العرب العادلة من غير تمسكهم بوحدتهم العربية التي دعاهم اليها ملك العرب و شريفهم الحسين بين علي مفجر ثورتهم العربية الهاشمية المجيدة عام 1916 ,و حامل رسالة الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس منذ عام 1924, و لا هلال إسرائيلي مقنع وسط العرب في زمن لا تعترف فيه إسرائيل بحدود الرابع من حزيران لعام 67 , و لا هلال إيراني مقنع أيضا في ظل حاجة العرب لوحدتهم الحقيقية أولا , و هو الأمر الواجب أن تصغي اليه روسيا و الصين و كل دول العالم , و في مقدمتها دول النادي النووي.