هز تقرير منظمة العفو الدولية «امنستي» الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي (182صفحة) تحت عنوان مثير للغاية (الأبارتيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة متوحش وجريمة ضد الإنسانية) هز الكيان المحتل وتسبب له بصداع سياسي وأخلاقي غير متوقع عندما وصف ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية داخل الخط الأخضر بأنها ممارسات عنصرية بحتة و"ابرتهايد» مطالباً وبشكل صريح بمساءلة الاحتلال ومحاسبة المسؤولين عن تلك الممارسات العنصرية.
المفاجأة كانت صاعقة لدولة الاحتلال وتسببت ليس بإرباكه على صعيد رد الفعل السياسي فحسب بل على صعيد الخطاب الإعلامي حيث لجأ الى خطابه المموج والمستهلك الفاقد للتاثير، حيث سارع يائير لابيد وزير الخارجية لاتهام منظمة عريقة ومشهود لها بالمهنية والموضوعية كمنظمة العفو الدولية بأنها تعادي السامية هكذا وبكل خفة وصبيانية تصبح «امنستي» منظمة معادية للسامية، وليس هذا فحسب بل اتهمها يائير لبيد بأنها تستمد معلوماتها من منظمات إرهابية، وكأن إطلاق النار على المدنيين العزل من مسافة صفر وهدم البيوت وتغريم أهلها ثمن عمليات الهدم هذا عدا عن الاعتقال الإداري الذي يستمر لشهور بل وفي بعض الأحيان لسنوات، كأن كل هذا وأكثر من ممارسات نازية وعنصرية هي أعمال لم يرها العالم بعينيه ووثقتها بكاميرات الإعلام المختلفة وتحديداً الإعلام الأميركي والغربي الذي لم يعد قادراً على التغطية أو التغاضي عن فظائع الاحتلال وبطشه وعنصريته الفاضحة.
من الشواهد على الخطاب المرتبك لدولة الاحتلال وتحديداً وزير الخارجية يائير لابيد ما صرح به بعد نشر التقرير حيث قال ما نصه: كانت منظمة العفو يوماً ما منظمة موقرة نحترمها جميعاً، واليوم هي على عكس ذلك تماماً.. وتابع: «بدلاً من البحث عن الحقائق، تستشهد منظمة العفو بأكاذيب تنشرها منظمات إرهابية» كما أضاف إن دولة «الاحتلال ليست مثالية لكنها ديمقراطية ملتزمة بالقانون الدولي ومنفتحة على التدقيق».
فجأة وبدون مقدمات تحولت «امنستي» من منظمة موقرة ومحترمة الى منظمة تعادي السامية؟! أنه «الإسفاف» بحد ذاته والكذب الوقح بانصع صوره، أما اللجوء لتهمة معاداة السامية فقد فقدت بريقها واستهلكت أثرها بعد هذه السنوات من استخدامها كنوع من أنواع الإرهاب الفكري والقيمي بحق كل من يفضح ممارسات الاحتلال.
ما يرعب الاحتلال ليس خسارته شيئاً فشيئاً للصورة الإعلامية والدعائية التى حاول تكريسها منذ قيامه ألا وهي صورة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بل ما يرعبه هي الأبعاد القانونية المترتبة على مثل هذا التقرير لامنستي وغيرها من المنظمات الحقوقية سواء اكانت داخل كيان الاحتلال مثل منظمة «بتسليم» أو منظمة «هناك عدالة» واللتان تحدثتا عن عنصرية الاحتلال بوضوح شديد، أو منظمات دولية مثل امنستي وهيومان راتس وتش.
في الخامس من شباط/فبراير 2021، قررت المحكمة الجنائية الدولية، أنه يجوز للمحكمة ممارسة اختصاصها الجنائي بشأن الوضع في فلسطين، وأن النطاق الإقليمي لهذه الولاية القضائية يمتد إلى غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وهو الأمر الذي يفتح الباب وإن موارباً نوعاً ما أمام المحكمة لمحاكمة مسؤولين إسرائليين سياسيين أو عسكريين ومحاسبتهم أمام تلك المحكمة عملاً بنظام روما الأساسي والمسالة لا تعدو أن تكون مسألة وقت لا أكثر.
(الرأي)