أنهى أصيل الشاب اليافع المرحلة الجامعية، و عيناه تملؤهما الفرح.. الشغف.. و حب الحياة.. فبدأ رحلة السعي والبذل لكل طاقاته الإبداعية من أجل الوصول إلى وظيفة أحلامه التي ستهبه المكانة الاجتماعية المرموقة، و التي من خلالها سيحقق كل ما يطمح له و يحلم به.
بعد أيام و ليال طوال من السعي و الكدّ.. رنَّ هاتف أصيل، و إذ بها إحدى الشركات التي أرسل لها سابقاً تهاتفه من أجل إجراء مقابلة عمل له.. لم تكد الفرحة تسعه.. فذهب مسرعاً إلى خزانة ملابسه ليختار ثياباً رسمية أنيقة، حتى يلبسها في يوم المقابلة، و الذي كان يوماً يشبه في بهجته العيد.
جرت المقابلة بشكل رائع.. و بعد أيام أخبره موظف الموارد البشرية بأن يأتي إلى الشركة لاستكمال إجراءات التعيين و توقيع العقد.. و عندما حضر أصيل للشركة، رحَّب به المدير.. و جلسا يتناولان القهوة بينما يحضر له موظف الموارد البشرية العقود، في تلك الأثناء عرض عليه المدير سيجارة ريثما يأتي الموظف، لكن أصيل رفض لأنه لا يتناول السجائر... عندما أتى الموظف لم تكن بيده أية أوراق، إنما كان يحمل هاتفه و يخبر المدير بأن هناك شخص يريد مكالمته بشكل مستعجل... بعدما انتهى المدير من مكالمته.. تغيرت تصرفاته فجأة، ثم قال: " أعتذر، لقد حصل خطأ غير مقصود، هذه الوظيفة ليست لك يا أصيل، بل هي لشخص ثانٍ يدعى أصيل لكن كنية العائلة مختلفة، إنني جداً آسف، سامحني يا أصيل"... أيقن أصيل في تلك اللحظة، أن تلك المكالمة كانت من أحد رجال الأعمال ذو النفوذ الكبير، لتعيين أحد أقربائه.. ثم غادر أصيل الشركة و الدموع الحارقة في مقلتيه.
مرَّت الأيام.. و الشهور.. و السنين.. و لم يترك باباً إلا و قد طرقه، حتى اغتالته لحظة يأس، فجلس على رصيف الشارع، و قد تمكن الحزن و الإحباط من قلبه.. و بعد لحظات مرَّ به أحد المارة، و كان قد بدا في حالة رثَّة، عيناه شاحبتان قد بدا عليهما أثر الإدمان.. جلس ينصت لأصيل الذي أنهكه البكاء... لكن بعد لحظات قليلة.. انفجر الشخص الغريب بالضحك، و قال لأصيل: " لقد كنت في وضعك هذا يوماً من الأيام، خذ سيجارة فلا شيء يستحق منك كل هذا النواح"... اقتنع أصيل بكلامه و أخذ السيجارة فكانت هذه اللحظة أول طريق الضياع... عندها أصبح كل من تورط في ضياع هذان الشابان، شريك في الإثم.