تتنافس الفضائيات على تقديم برامج تتحدث حول صناعة الأفلام وترينا مشاهد خلال تصنيع الفيلم، حيث نرى البوكس السخيف الذي يوجهه البطل إلى عدوّه الشرير دون أن يصيبه فعلا، ثم يضحكان معا بعد التصوير، ونشاهد الحبال التي تربط البطل حينما يقفز، والنيران المزيفة والدماء المزيفة، وكل شيء زيف في زيف. ولعل أشهر هذه البرامج هو برنامج (مع راية) .
وحينما نشاهد الفيلم في صيغته النهائية نخدع أنفسنا ونصدق ما يحدث أمامنا وننسجم معه وربما نبكي وربما نشتم، مع أننا ندرك أن هذه الأمور لا تحدث ابدا.
إنه التواطؤ يا سادة يا كرام:
انه تواطؤ متفق عليه بين المخرج والممثل والجمهور، والجميع مستفيد: المخرج يقدم عملا ناجحا تزداد نسبة نجاحه كلما تواطأ الجمهور معه أكثر فأكثر. والممثل يقدم شخصية ناجحة كلما صدق الجمهور أن هذا الرجل لا يمارس التمثيل، بل هو ذات الشخصية التي أمامهم فعلا، والجمهور يحصل على متعة أكبر كلما خدع دماغه العاقل وأقنع نفسه بأن ما يراه، على الشاشة، هو عين الحقيقة والواقع...وهكذا يتمتع الجميع.
المشكلة أن الجمهور.... جمهور الأفلام، يعتاد على هذا التواطؤ الممتع، وينقله إلى الحياة العملية بكل رحابة صدر وظهر وبنكرياس...فيعيش متواطئا مع الجميع، لغايات المتعة أو لتقليل الألم، أو ربما هي الطريقة الوحيدة التي يتقنها، لممارسة الحياة العادية.
هكذا يصدق الجمهور قصة تنكر الديكتاتور خلف شخصية العادل، فيصبح الدكتاتور العادل، الذي يقدم للجماهير الفتات مقابل الراحة. والراحة هنا حقيقية، لأن الجمهور يعفي نفسه من واجبه الحقيقي في ممارسة الديمقراطية الحقة والمشاركة في تنمية الوطن وحمايته، ويضع كل ثقته في الديكتاتور ليقوم بالعمل عنه .... مقابل فضاوة البال.
قلت هي راحة حقيقية!
أقصد هي قد تبدو حقيقية في ذهن المخدوع، الذي لا يخدع سوى نفسه، لكنها في الواقع أكذوبة كبرى تصادر الحق في الحياة الحرة الكريمة، والحق في تغييرها نحو الأفضل، من أجل الأجيال القادمة.
إنه التواطؤ
إنه التواطؤ
الدستور