عدنان النابلسي .. اخر السيوف وعتبة الوعي الاولى
أحمد سلامة
02-02-2022 01:38 PM
الى جنة الخلد يا ابو السعيد فلن يخذلني سمعي وسيبقى ذاك الصوت المحلجل الامر منك يغزو القلب حتى اللحاق بك.. ايها العم العزيز كان يحلو لي دوما ان اناديه بالعم لمكانته في القلب.. ايها النابلسي المجيد، ارثيك اليوم وكأن هذه اللحظة ما خطرت على بالي في المطلق فكانت الحياة بك فيها ونس وامان..
اليوم اكتب اول مرة في الحياة من زاوية جغرافية كاملة اباهي بها بتشرف الانتساب لنابلس فدو لعيون ابو السعيد..
انا لست نابلسيا بالمعنى المديني بل ان مسقط رأسي يباعدني عنها في (بديا) ٢٧ كم بالتمام والكمال وهي ذات المسافة التي تبعد بلدتنا عن يافا لكننا نابلسيون اهل جبل تركنا الساحل ثقافة وانتماء لاهله فنحن من اهل الجبال..
اليوم في محاولة تخليد وتمجيد دور الافراد الذين يستحقون.. سانحاز بالكامل لنابلس هذه المدينة الدهرية الابدية التي ترمي غمامها عند الصبح على كتفيك وانت تمشي الهوينة من الجبل الشمالي خلف المستشفى الوطني الى السوق العتيق ويتجاور البرد بالدفء بين (عيبال وجرزيم) ليحضن اتباع الديانات الثلاث فتهبك تلك المدينة التنوع وقبول الاخر.. ونابلس فيها اول العلم المنظم في (الصلاحية والنجاح) وزمت المسافة بين الطربوش وسينما ريفولي ليكون وعيها بالتقدم حتميا وضروريا ليكون هوية الدخول لها من اتباعها (الفلاحين)
ونابلس هي اول من صنع فكرة (التعشيق الوحدوي) بدون اي حاجة لاستعمال اي مسمار لربط السلط بنابلس كانت نابلس تصنع فكرة الوحدة مع الشرق قبل اخواتها الفاضلات وان حفظ التاريخ لنا فكرة اندماج الناس ببعضهم في مؤتمر اريحا فان الحقيقة ان مؤتمرا في نابلس سبق اريحا وكان هو بوابة الحب الاولى…
ميز نابلس انكباب رجالتها على المعنى الوحدوي وليعذرني من يقرأ هذه السطور اذ ليس عندي استعلاء لا سمح الله على احد في التشبث بالمعنى الوحدوي فالخليل والجليل والقدس وجنين لها ذات الوهج لكني اتحدث عن مدينة هي صحن الوعي عندي هي منطلق حبي للشرق وهي مهوى فؤادي الدائم …
نابلس جادت بنماذج من الرجال نأمل من الله تكرار نماذجهم ودورهم
نابلس قدمت نموذجا للعلم وللسياسة فكان قدري طوقان اول العلوم النافعة قدري الجسور الذي قال ذات ندوة في مجمع النقابات
لقيادي فلسطيني في فترة الفوضى وكثرة البنادق على هامش مبادرة روحرز (اسمع يا بوفلان، اذا بتحرروها بهالكلشن هاد فمبروكة عليكن، اما اذا القصة قصة توقيع فان اقلامنا شيفرز من ذهب واقلام غيرنا بعدها من فصيلة (البيك))
ولقد كان احمد طوقان العالم السياسي الجسور ابو العبد من تصدى لخوار محمد داود واكمل السير نحو اعادة الهدوء الى المدن في حرب استرداد هيبة الدولة وسلم الامانة للكبير وصفي بكل إباء وشمم عند اواخر اكتوبر من عام السبعين ولأن كانت المدن الكبرى لها ثقافتها للتمهيد للاشياء والبدء بها.. فان نابلس هي من فتحت درب الاستشهاد لرجال الدولة استبسالا في الدفاع عن الوطن لقد اضاءت الشعلتان النابلسيتان درب البطولة لهزاع الكركي ولوصفي ابن السبع خرزات
بعد حين فلقد كان استاذ القانون الجليل ابراهيم هاشم ورجل الدولة القوي سليمان طوقان رحمهما الله.. اول الدم فداء للعرش الهاشمي حين تلقى الشهيد ابراهيم هاشم طوبة انزلت على رأسه وهو على باب وزارة الدفاع العراقية في تموز القهر وتموز الشر…
ناداه ابو غالب (سليمان طوقان) نزل راسك ياباشا تجنبا لطوب الغوغاء رد اخر الكلمات التي هي وصية خالدة (يا سليمان موش احني اللي منوطي رووسنا امام الموت ويقال ان من يعمل في معية الهاشم قد خاف الموت) اووووف.. يا للشهامة ونبل الاستشهاد
وتمضي المسيرة وتحط الرحال على شاعر القبيلة واسد الصد عدنان ابو عودة
عدنان ابو عودة نموذج ليس له مثيل في تاريخ الدولة الاردنية فهو عدنان الذي ترك لنا مدرسة مفادها ان الدولة حين يتهلهل اعلامها فانها تفقد روحها ورسالتها والدولة تنتصر بسنابك الاقلام والاقلام ورجالاتها مثل القاصف من مدفع الدبابة ولقد اشرق عدنان ابو عودة
قمرا في نجمة بابعاد ثلاث ليصنعوا حدثا تاريخيا زلزل الارض من تحت اعداء هذا الوطن كان نذير رشيد اول الامن وكان عدنان ابو عودة اول الاعلام وكان وصفي التل اول الارادة ولقد رافقت هذه النجمة حركة القمر الهاشمي الوضاء مثل الزهرة حين ساروا في ركب الحسين..
عدنان لا يكون الرثاء فيه الا مباهاة وفخرا كان هو من حمل وحده امانة الحفاظ والوفاء لدور ابراهيم هاشم الشهيد وسليمان طوقان المريد وكان هو الوحدوي الذي جعل من خؤولة اولاده السلطيين مبرر السماح لكل الاجتهادات اللاحقة التي ربما انها ادهشت الكثير منا
لو سألني احد في ندوة عامة ما هو مفتاح شخصية عدنان ابو عودة لقلت بدون تفكير الشجاعة كان عدنان اشجع الرجال ففي الوقت الذي اضحت فيه الشجاعة من دون ثمن ظهر الكثير من المجعجعبن وصارت الثرثرة والشجاعة متداخلة لكن عدنان تقدم للدور الذي كان يبحث عن بطل وصنع اعلاما وطنيا قادرا متحكما وذات رسالة خالدة..
إن اول الشجاعة في الجيش كان حابس حابس الحنون الطيب النبيل الشجاع حابس الذي رحل عن الدنيا مكتفيا بحب الناس وترك نقطة من دم طهور وصية للاردنيين في القدس لن يمحو اثرها لا زمن ولا ضعف امة وكان دور عدنان ووقع خطاه وصوته الرخيم اول مجنزرات الاعلام التي كانت قد اختفت من حياتنا حين اختفى صوت صلاح ابو زيد بموامرة دنيئة لسنين خلت لقد صنع في جيلنا رغم اختلاف المنهج والتفكير ثلاثة رجال الاعلام الوطني الذي كان لنا من خلاله صوتا كان صلاح ابو زيد اول السحر واول الغناء الوطني واول الصد الرادع لتطاول الكبار علينا فكبر صلاح حجره والقاه عليهم فتصاغروا وكبرنا وكان الثاني عدنان ابو عودة الذي بنى للاردن سبيلا للحوريات مغر وفاتن وقوي وجليل
عدنان بنى قلعة الاعلام حين فتح الباب لجورج حداد ان يهندس اخبار التلفزيون ولمحمد امين ليقول ببسالة الرسالة ومنح لرافع شاهين رخصة ان يعيد البسمة للاردنيين..
وهو من هندس الرأي على هواه واطلق يد آل الشريف في الدستور
كان عدنان استاذا في صورة وزير ومقاتلا في لباس اعلامي ومنظرا في كنف حاكم تاريخي..
اما ثالثهم … فكان هاني الخصاونة الذي جعل من الاعلام قطارا يركبه الناس كل يوم ليتمتعوا بمناظره ومحتوياته الخلابة لقد وقع على عاتق هذا الديبلوماسي القومي تنفيذ اصعب مهمة واشقها على نفسه فك الارتباط والصمود بالدينار بما تبقى منه بعد مذبحة المنحط الوضيع احمد الجلبي ومدرسته الاقتصادية التي لم يزل بعض اتباعه فينا وكذلك الوقوف في وجه عاصفة هبة نيسان
عدنان ابو عودة كان حكيم العرش وجسور الدولة على الاعلام وكان قراره بسحب امتياز صحيفة اساءت للملك او للوطن تأخذ منه لحظة التوقيع فقط لقد ناوءت مدرسة واسعة وعريضة مدرسة عدنان ابو عودة ومدرسة عدنان كان هو استاذها وكاتب منهاجها وباني جدرانها وزارع خضرتها وحده لم يكن يؤمن بشيء في حياته اكثر من قدرته على الابداع واجمل من ايمانه بالملك بولاء لا يتزعزع من اجمل مزايا عدنان انه لا يعرف الحقد كان هو ونسة نابلس في عمان وليس من احد سواه استطاع الى ذلك سبيلا….
هل يستقيم القول في عدنان العم الغالي ابو السعيد دون المرور على خروجه عن اطارات الدولة وتفكيره مرتين خلاف ما يريده الناس او بعض الناس ؟!
اعني بحثه الذائع صيته (القدس غير المقسمة ؟) وهو بحث نشر له في مجلة امريكية سنة 1992.. الفورن افيرز ونال من تربص ظننت انه مسبق ومدروس اما كتابه الذي تطرق فيه الى موضوع حقوق المواطنة كتبت رأيي فيه وهو حي يرزق انه لا يشبه ابو السعيد ولا يشبهنا لكن خاتمته الوطنية كانت عرفانية وبرهانية واشراقية ووطنية حميدة فقد طوف في افاق الاردن حاملا راية الاردن ومنافحا باخلاص المؤمن بوصفي التل ودوره الوطني
وانتقد خصوم الاردن نقدا لا هوادة فيه وثبت على موقفه الوطني الخالد
ثمة اسرار في حياتنا نحن الاردنيين تذهب معنا الى القبور وربما ان واحدة منها تشبه المؤامرة حاكها ابطال في الخفاء دفعوا ابو السعيد الى الذهاب لقصة الحقوق والمواطنة
لقد رافقت ابو السعيد المفكر وتلقيت منه توجيهات ككاتب وازر حضوري في الكثير من المواقف وخالفته في قضايا مفتاحية مثل الميثاق الوطني والخطاب والمواطنة وحقوقها وزاملته في الديوان الملكي الهاشمي وكان في كل تلك المحطات نورا ساطعا وعالما عميقا ومفكرا عبر الحدود والموانع وفكر في حضرة الحسين بحرية
ذات جلسة فكرية برعاية سيدي حسن لمجموعة من المفكرين ائتلفت في المجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا وكانت الجلسة على مستوى قومي ولعدنان ابو عودة كلمة فيها…
لقد بهر الحضور حد نسيانهم ان الحسين قد مضى الى رحاب ربه كتبت له يومها (من اين تأتي بكل هذه الروح الشبابية المتدفقة) كتب الي الحقني ندخن سيجارة…
على باب الندوة قال الذ جملة سمعتها منه في الحياة قال لي ابو السعيد (بتعرف احمد ، الملك حسين هو المسؤول عن كل ما رأيت وسمعت هذا اليوم لقد تعلمت منه معنى الامل والتفاؤل، ومعنى الارادة والصبر، الحسين من صنع فينا هذا الجمال)
رحمك الله ايها العم الغالي كنت حكيما بترو واردنيا من غير صخب وعربيا من دون ادعاء وكان مستغرقا في التأمل بالمطبخ العالمي
واحسب انه فعل ذلك من دون تبعية رحمك الله عشت حرا قنوعا مستورا دون تبجح الدابوقيين والعبدونيين وظللت وفيا في حياتك لثلاث
للحسين والاردن ولام السعيد يرحمها الله اخذها الموت منك مبكرا ولم يهمس احد في الحياة انك رفعت عينك في امراة غيرها ولبيتك في صويلح الذي ابيت مغادرته وكذلك استدرك لسيجارتك التي لم تغب عن شفتيك تداعبها كانها سنبلة رحمك الله يا عزيز القوم