الحال العربية والفلسطينية خصوصاً.. لا تسر صديقاً ولا تغيظ عدواً, هكذا بدأ أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة حديثه الطويل – ولكن الممتع والمثير – لمجموعة من المهتمين, الذين انتقاهم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المغضوب عليه كما ينبغي التنويه, أسعد عبدالرحمن (رئيس مجلس ادارة الموسوعة الفلسطينية) لأنه استخدم تعبير الفسائل والفصائل.
ابو النوف, الذي يوشك على انهاء العقد السادس من عمره السياسي, الذي كان بدأ طفلاً في السادسة عشرة من عمره في خمسينات القرن الماضي, ما يزال حتى اللحظة يتمتع بذاكرة حديدية, الوقائع والاسماء وخصوصاً «التواريخ», على نحو يدعوك للتساؤل حقاً عما اذا كان الرجل يمتلك «موهبة» اخرى كتلك التي حولته الى كتلة نشاط, يكاد لا يمتلك الوقت الكافي لاشباعها أو حتى إراحة جسده, الذي بدأ يدفع استحقاقات العمر, لكن ابو خالد يجد نفسه في المزيد من «الاشتباك» الجاد والمباشر واليومي مع الاحداث والوقائع الفلسطينية والعربية, بل إنه كلما تقدم الليل, يكشف عن مزيد من الحضور واليقظة واستدعاء المحطات والاحداث, لا تملك ازاءها إلا احترام تجربة الرجل, كأحد رموز الرعيل الاول من قادة الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني العربية, وإن كان كل ذلك لا يمنع من الاختلاف مع «ابو النوف» في بعض القضايا والمحطات التي طبعت مسيرة العمل الفلسطيني, وتحديداً منذ طرحت الجبهة الديمقراطية برنامج النقاط العشر في العام 1974.. حيث يقول «ابو خالد».. كان هناك ضياع في الرؤيا بين الاعوام 1948 حتى العام 1974عندما نجحنا في اقرار «البرنامج المرحلي»!!
حواتمة يتساءل في غضب.. التقيت أبو مازن قبل أيام.. تحاورنا وبحثنا طويلاً.. بدأنا بعنوان المفاوضات غير المباشرة.. أين؟ والمباشرة الى اين؟ صمت الرجل قليلاً قبل أن يجيب في التباس مقصود, وإن كانت الرسالة واضحة: آلية اتخاذ القرار في الفترة الاخيرة اصبحت قائمة على رأس الهرم على عكس التقاليد الفلسطينية, التي كانت تقوم على آلية تبدأ بالمؤسسات الفلسطينية تبلور الرؤيا والمواقف والقرارات والقوائم المشتركة, ثم نقوم بإعلان ذلك للرأي العام وبعد ذلك نلتقي العرب دولاً وقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني واحزاباً..
في الفترة الاخيرة.. يستطرد حواتمة.. انقلب الوضع واصبحت آليات اتخاذ القرار الفلسطيني تبدأ بمحاولة ايجاد مربع تفاهم مع الادارة الاميركية, وبعدها الجامعة العربية بالصيغ الدارجة (اجتماع وزراء الخارجية في اطار لجنة المتابعة العربية) ثم توضع المؤسسات الفلسطينية أمام الأمر الواقع, عبر الصيغة الجاهزة «هذا ما امكن الوصول اليه مع الادارة الاميركية (وارادة) الدول العربية»..
الرواية التاريخية التي يسردها أمين عام الجبهة الديمقراطية, تلحظ المحطات الاساسية في مسيرة العمل الفلسطيني والتي كلفت الفلسطينيين اثماناً فادحة, لعل اكثرها «بلاغة» هي التي جاءت لياسر عرفات من ادارة بوش الأب عبر اكثر من جهة عربية, وهي انك راهنت على جواد خاسر (رهان عرفات على صدام حسين) وعليكم أن تدفعوا – كفلسطينيين – الثمن..
يطول الاقتباس وتتعدد العناوين والملفات التي يقاربها ابو النوف, في قراءة تتوقف كثيراً أمام معضلة الانقسام الذي يفتك بالعمل الفلسطيني, إلا أنه وبعد أن انتصف الليل بقليل قال في ما يشبه الصرخة المعروفة اللهم اشهد اني قد بلّغت.. كفى احتكاراً للسلطة والتمثيل.. وهو هنا يقصد فتح وحماس..
لكن السؤال الذي لم يجب عليه حواتمة ونحن على وشك المغادرة.. هل تعتقد أن أحداً منهما معني بالتجاوب مع دعوة مخلصة كهذه, باتت شعار الاغلبية الساحقة من الفلسطينيين؟
Kharroub@jpf.com.jo
الراي.