أحيانا قد يكون الحديث مع النفس عبارة عن موجة تفكير مرهقة، الحديث مع الآخرين يريح أكثر.
نحن نتحدث لان الصمت يقتلنا ببطء. النفس تحتاج إلى بعثرة الكلمات.
قد يتساقط مع الكلمات دمعة حارة من مخزون، غارق في صندوق الذاكرة.
التراكمات تتجمع بداخل جدار الروح بثقل، ثم يخرج الحزن على سبب صغير لا ندرك لما ذلك الموقف هو الذي بعثر طمأنينة أرواحنا.
نقف بارتباك على رصيف الانتظار وفي لحظة عابرة قد تكون مع غرباء، تتبعثر الأحاديث وتمضي بعيدا في رحلة سفر فتضيع بالطرق البعيدة أو تدون بكتاب مدونات قصص الحياة.
مخزون الألم في داخلنا، قد لا يحتاج إلى طقوس خاصة لكي يحضر. كل ما يحتاجه بضع دقائق من العودة إلى الفطرة السليمة نحو عذرية الروح. ثواني من الصدق والصراحة، بوح ينزف الوجع الذي يخنق أنفاسنا دون أن ندرك السبب الحقيقي.
صديق الوجع قد يكون عابر، لكنه أتقن دور المستمع الدقيق الذي يجيب، بكلمات مقتضبة، حتى لا يوقف نزيف الحرف.
تلك النفس التي تتقن فن الاستماع، دون أن تسخر من حزنك من وهمك، من خذلانك أو من خيباتك.
تلك الشخصيات القليلة الوجود في كل مرة يحدث أن تصادفك تجعلك تدرك أن الحياة كانت كريمة حين منحتك الحظ الإنساني.
مع ذلك الحظ تخرج ما ران على قلبك وجعل نبضاته بطيئة متكاسلة، بعض الصدمات تشعرك بأن قلبك أصيب بكدمة، ويحتاج إلى علاج حتى يبرأ.
في ذلك النهار كان الحزن يسكن عينيها بوضوح.
ومع ذلك أرادت ندى تصفيف خصلات شعرها لتشعر بأنها في حالة أفضل.
التقت بصالون تصفيف الشعر بسيدة كبيرة كانت تجلس برضا واضح على ملامحها وكان الحياة كرمتها وأكسبتها حكمة اللامبالاة.
بادرت السيدة بالحديث ما سبب الحزن الساكن في عينيك، ما هو الشيء الذي يستحق الغيمة المنذرة بتساقط الدمع فجاءة ودون إنذار مسبق، واسترسلت السيدة قائلة : كل رحيل دون الموت مفتعل وهمي أو مقصود.
نظرت ندى بدهشة وأجابت السيدة بمرارة: هل جربت أن تغادري حياة وأنت تتمنى أن تتمسك بك. هل قررت يوما أن تقومي بثورة بيضاء لتكتشفي الحقيقة، فكانت سوداء قاحلة بكل المقاييس.
وجدت ندى نفسها تتحدث للسيدة بصراحة وصدق ودون أي حذر، كانت روحها تنزف الألم وكأنها بانتظار من يسمعها.
استمعت السيدة بوقار وأجابت بحكمة وهدوء: قد يكون قلبك أصيب بقوة لكن لم يمت ما زال ينبض، دعي الحزن عنك وابتسمي.
لا تدعي الحياة تحول إحساسك إلى آلة قديمة تعزف سمفونية رتيبة فقط لتمضي الأيام بتثاقل.
اخرجي من الحزن فهو لا يليق بمن يملكون الشغف، كوني قوية، إيجابية.
لا تدعي المواقف تهزم تلك الأنثى المتمردة الساكنة في ثنايا روحك. كل وجع هو ولادة جديدة لإحساس أنثى قوية حقيقية.
استمعت ندى لكلمات السيدة الرزينة التي كانت تقول الكلمات بصوت واثق حنون ملهم، جعلها تشعر كم هي تلك السيدة على حق.
أنهت تصفيف خصلات شعرها، ودعت السيدة وغادرت ندى بروح أقوى.
ندى كاتبه، مبدعة وعنيدة وعصية الحرف تجيد زخرفة الكلمات، وهي من اعتادت أن تصنع من الجمل ضفائر فاتنه تمكن العشق بأن يطال سماء الحرف بثقة حتى يكاد القارئ يشعر بالنص وكأنه جزء من حياة عاشها أو تمناها.
اعتادت أن تطلق عنان الكلمات، عذرية، عفوية، صادقة، لتسكن القلوب الطيبة، معتنقة مبدأ لم تكذب،إذا أنت قوياً فعلًا.
فالقارئ لن يشعر بالتعبيرات المجازية والتشبيهات، والحكم، إلا عندما يسكنه جرح القائل وألم الحكيم، عندها فقط يشعر بالتفاصيل وأدق التعابير. ويقوم بترديدها لكل من يعاني وجع قسوة الحياة.
a.altaher @ youthjo.con