التخطيط لاستقبال المركبات الكهربائية على الطرقات
م. عبدالله دحيدل
01-02-2022 10:27 PM
شكلت صناعة المركبات الكهربائية حدثاً هاماً خلال العقد الماضي، والذي بدأت فيه مجموعة من أكبر الشركات المصنعة للمركبات التقليدية (التي تعمل بالوقود التقليدي مثل البنزين والديزل) باستحداث أقسام خاصة ومراكز أبحاث وتطوير تحضيراً لتصنيع المركبات الكهربائية والتوجه نحو هذا المجال شيئاً فشيئاً، حيث استشعرت أن السوق العالمي بدأ فعلاً بالتحول الى الطاقة النظيفة وإيجاد مصادر بديلة عن الوقود الأحفوري، وإذا ما تأخرت هذه الشركات في دخول العصر الجديد فإنها ستخسر حصة كبيرة في السوق نهاية المطاف، وأما على مستوى الدول فقد قامت العديد منها بإصدار تشريعات قانونية ومواصفات خاصة تسمح باستقبال المركبات الكهربائية على الطرقات مستقبلاً، ولا غريب في ذلك حيث وضعت أكثر من 20 دولة (منها المملكة المتحدة والصين والنرويج وغيرها) أهدافاً واضحة للتوقف عن تصنيع المركبات التقليدية ذو محرك الاحتراق الداخلي ، وبعض هذه الدول أعلنت أنها تريد الوصول الى انبعاثات كربونية صفرية بحلول العام 2050.(1)
شهد العام 2010 وجود أكثر من (17000) الف مركبة كهربائية على الطرقات تمثلت في 5 دول ( الصين ,اليابان, النرويج, أمريكا, بريطانيا) ولكنها سرعان ما بدأت بالنمو والتسارع الكبير (30% سنوياً) حتى وصلت في العام 2019 الى (7.2) مليون مركبة ثم جاءت جائحة كورونا واثرت على المبيعات بانخفاض وصل الى (16%) ومع ذلك فإن نهاية العام 2021 و بداية 2022 يتوقع وصول عددها الى (11) مليون مركبة منها (4.5 ) مليون في الصين وحدها (2) علماً ان العدد الكلي في العالم يقترب من حاجز المليار مركبة ، أي أن حصة المركبات الكهربائية لم تتجاوز 1% من مجموع المركبات في العالم.
إن هذا النمو السريع يُحتم على الحكومات أن تستعد جيداً لاستقباله والبدء بتجهيز البنية التحتية لذلك ,خاصة مع وجود أكثر من 300 طراز على الطرقات حالياً والنجاح المستمر في تخفيض تكلفة البطارية حيث أن بطارية الليثيوم ايون التي تشكل اليوم اكثر الأنواع التي تعتمد عليها المركبات الكهربائية قد انخفض سعرها من 917 دولار لكل كيلو واط ساعة في العام 2011 الى حوالي 140 دولار لكل كيلو واط ساعة في العام 2020 أي بنسبة 85% تقريباً (3)، وفيما يلي مجموعة من التحديات التي يفضل أن يأخذها أصحاب القرار بعين الاعتبار استعداداً لاستقبال المركبات الكهربائية :
أولاً: تجهيز الشبكة الكهربائية
من المتوقع أن يزداد الطلب على الكهرباء حتى قبل دخول المركبات الكهربائية للأسواق، وذلك بسبب النمو المستمر وزيادة عدد السكان وتوسع المدن والاستهلاك المتزايد وغيرها من العوامل، إلا أن المركبات الكهربائية تُعد أحمالاً إضافية على الشبكة وربما تخلق مشكلات تقنية مستقبلاً في حال غياب آلية واضحة لاستيعابها، لذلك فإن التخطيط المسبق يعتبر من أهم الخطوات لتجنب حدوث انقطاعات لحظية على الشبكة أو أي مشاكل تقنية أخرى، فمثلاً السيارة الواحدة تحتاج لوجود طاقة كهربائية لم يكن لها موقع في الحسبان, فما بالك بآلاف السيارات لا بل الملايين التي ستكون متواجدة على الطرقات خلال السنوات القادمة، عدا عن ذلك فإن سلوك شحن المركبات يمتاز بالعشوائية اذا ما كانت للاستخدام الشخصي بسبب اختلاف طبيعة أعمال من يقتني هذه المركبات فيمكن ان تتراوح فترات الشحن ما بين الصباح والمساء وبقدرة مختلفة حسب نوع كل مركبة لذلك يجب أخذ أوقات الذروة بعين الاعتبار وعمل إزاحة للأحمال الكهربائية بما يتناسب مع سعة الشبكة.
لو أخذنا فرضاً سيارة نيسان (ليف 2022 ) (4) والتي تمتلك طاقة في البطارية بمقدار 40 كيلو واط ساعة تجعلها تقطع مسافة تقريبية مقدارها 350 كيلو متر في الشحنة الواحدة فإنها تحتاج الى 120 كيلو واط ساعة ( 3 شحنات ) لتقطع مسافة تزيد عن 1000 كيلو متر , وبفرض أن هذه السيارة قطعت مسافة 20,000 كيلو متر في السنة الواحدة فهذا يعني أنها احتاجت الى طاقة كهربائية لا تقل عن 2,400 كيلو واط ساعة سنوياً، هذا جيد ولكن كمية الطاقة الكهربائية هذه هي اضافية على الشبكة الكهربائية (لسيارة واحدة) فما بالك ان كان هناك الاف بل ملايين السيارات مستقبلاً , هذا يجعلنا نبدأ بالتخطيط جدياً لتدعيم الشبكة الكهربائية والعمل على زيادة استقرارها.
ثانياً: تجهيز وزيادة أعداد محطات الشحن
إن أهم الأسئلة التي تُرافق عادة موضوع المركبات الكهربائية هي مدة الشحن اللازمة لمليء البطارية والمدى الذي تقطعه السيارة , ومن هنا يأتي دور المشرعين وأصحاب القرار في وضع القوانين والأنظمة المشرعة لعمل المركبات الكهربائية وشحنها ,حيث ان وضع الية تُنظم بناء محطات الشحن الكهربائي يُساعد على اقتناء الناس للسيارة الكهربائية , ومن المتوقع ان تقوم المراكز التجارية ومحطات الوقود والساحات العامة اضافة الى نقاط التوقف والاستراحات على الطرق السريعة بتجهيز نقاط شحن ذو كفاءة وقدرة عالية , ومن المعروف ان للشواحن انواع متعددة منها ما هو بطيء ومنها متوسط ومنها ما هو سريع, ان زيادة انتشار الشواحن السريعة (DC Fast Charger) يعمل على توفير الوقت والجهد والتقليل من الازدحام والاصطفاف خلف المقابس الكهربائية، علماً انه يتواجد في الأردن أكثر من 18 محطة شحن سريع للمركبات الكهربائية (5).
لذا فان نقاط الشحن هذه تحتاج الى بنية تحتية تُرافقها السلامة العامة وتخصيص أماكن مناسبة لها، حيث ينتشر 7.3 مليون شاحن كهربائي حول العالم للعام 2019 (منها 6.5 مليون بطيئة الشحن) (6) ومن المتوقع ان يتضاعف الرقم كثيراً في المستقبل، فكلما كان العمل على تجهيز الشواحن بوتيرة أسرع من حجم انتاج المركبات الكهربائية كان استقبال المركبة واستعدادها لقطع مسافات أطول أفضل بالتأكيد.
ثالثاً: المواصفات والمقاييس
يوجد أكثر من (300) طراز من السيارات الكهربائية حالياً حول العالم، بعضها يمشي على عجلتين وبعضها على ثلاث أو أربع عجلات، ان التنوع في الطرازات يعمل على وجود اختلافات في أحجام وسرعات السيارات الكهربائية لا بل في نوع البطاريات وسعتها وهذا يحتم على الهيئات المختصة في المواصفات والمقاييس انشاء قاعدة بيانات واضحة والاحتكام الى مواصفات خاصة تلبي حاجة كل دولة لاستقبال التنوع ومنع انتشار المواصفات السيئة من الشواحن والبطاريات ، لان حدوث أي مشكلة في عملية الشحن او في تخزين الكهرباء داخل البطارية يمكن ان يشكل خطرا كبيرا ، ومن هنا فإن تطوير المواصفات العالمية يجب أن يكون مواكباً للاكتشافات والانتاج الذي تقدمه شركات السيارات، على سبيل المثال فان التطور الحاصل في البطارية الكهربائية خلال 10 سنوات فاقت التوقعات , وظهرت شواحن من طرازات مختلفة ، كل ذلك يجب ان يكون ضمن مواصفات ومقاييس متعارف عليها لدى جميع الدول.
رابعاً: الدعم الحكومي وتخفيض الضرائب
تخضع المركبات الى ضرائب محددة من قبل كل دولة ، الا ان التحول البيئي والتوجه نحو الطاقة النظيفة يقع في راس الأولويات للدول المتقدمة ، ولابد ان يشمل ذلك تخفيض الضرائب على المركبات الكهربائية واعطاء امتيازات خاصة لمن يرغب باقتناء سيارة كهربائية حيث تُساهم هذه الخطوات بإقناع الناس وبناء وجهة نظر صحية اتجاه امتلاك سيارات تُحافظ على البيئة ، ان المركبات التقليدية مرتبطة بأسعار الوقود بشكل مباشر حيث يصل سعر لتر الوقود الواحد الى دولار واحد في بعض الدول ، أما في حالة المركبات الكهربائية فان التوفير ربما يصل الى 70% , فما بالك ان كان هناك دعم خاص ايضاً وتخفيض على الضرائب ورسوم الجمارك العامة ،هذا يؤدي الى انتشار سريع وقبول الناس لها، فعلى سبيل المثال تمنح الولايات المتحدة ائتمانا ضريبياً لكل شخص يمتلك مركبة كهربائية يتراوح ما بين 2,500 دولار الى 7,500 دولار حسب حجم البطارية.(7)
خامساً: مراكز أبحاث ودراسات
يزداد تطور المركبات الكهربائية يوماً بعد يوم وهذا يحتم على الخبراء مراقبة أدائها وتحليل بياناتها مثل زمن الشحن وقدرة البطارية والمسافات المقطوعة ونسبة توفير الكربون وما هو تأثيرها على حياة الناس ومساهمتها في تغيير مفاهيم كثيرة عن حياتنا منها تنظيم الوقت مسبقاً لمن يمتلك السيارة الكهربائية والتي تحتاج الى تنسيق اكثر نوعا ما، ان بناء مراكز الدراسات يُساهم لا شك في تحسين الأداء من خلال مراجعة القوانين وفرض سياسات افضل لاستدامتها كما يسمح بمراقبة الأحمال الكهربائية وتطوير الشبكات وتعزيز مفهوم المدن الذكية، وبسبب سلوك شحن المركبات الكهربائية المختلف حسب كل قطاع فإن دراسة هذا السلوك وتحليله يوفر الوقت والجهد والمال ويدعم سياسات التوسع في انتشار المركبات الكهربائية وشواحنها بطريقة أفضل ، على سبيل المثال ان حجم وكمية الطاقة المشحونة ووقت الشحن لحافلة نقل عام تعمل على الكهرباء تختلف كلياً عن شحن مركبة كهربائية يمتلكها طبيب أو سائق مركبة أجرة، فلكل قطاع او شخص طبيعة عمل واستهلاك ومسافة مقطوعة تختلف عن الاخر لذلك فان دراسة هذا السلوك والتنوع يحسن لا شك من أسعار الكهرباء وتوقع أوقات الذروة للأحمال الكهربائية على الشبكة إضافة الى توجيه سياسات الدعم بطريقة اكثر فعالية.
سادساً: التوعية الاجتماعية
تنتشر السيارات بكثرة في الدول المرفهة أو الدول التي لا تمتلك شبكة مواصلات عامة جيدة ، ومع ذلك يمكن ان تمتلك الأسرة أكثر من سيارة واحدة (بعض الأسر تمتلك 2 أو 3 سيارات) وعليه فان التوعية الاجتماعية ستساهم في خفض اعداد السيارات التقليدية داخل الأسرة الواحدة ، ومن هنا يتوقع أن يصبح هناك سيارة واحدة على الأقل تعمل بالكهرباء للأسرة التي تمتلك اكثر من سيارة ، ان انتشار تجربة قيادة السيارة الكهربائية يزيد من توعية المجتمع عن طريق مشاهدة ممارسة قيادة السيارة الكهربائية في الأحياء ونقل التجربة بين الناس ،كما يمكن استخدامها لخدمة المواطنين اثناء التنقل المتردد محدود المساحة كما في بعض الدوائر الحكومية المتواجدة في موقع واحد، او لخدمة خط مواصلات عامة ، إضافة الى استخدام المركبات الكهربائية في توصيل الطرود او الوجبات السريعة فعلى سبيل المثال أعلنت شركة فيديكس العملاقة انها تسعى لان يتم تحويل اسطول النقل الخاص بها الى المركبات الكهربائية في عام 2030 (8)، ان مشاهدة المركبات الكهربائية في المناطق العامة أو الخاصة يساهم في تقليص خوف الناس من اقتنائها والمساعدة في نقل التجربة وانتشارها عاجلا أم اجلا.
* أخصائي الطاقة المتجددة وشواحن المركبات الكهربائية
(1) https://iea.blob.core.windows.net/assets/ed5f4484-f556-4110-8c5c-4ede8bcba637/GlobalEVOutlook2021.pdf P47
(2) https://www.iea.org/fuels-and-technologies/electric-vehicles
(3) https://www.statista.com/statistics/883118/global-lithium-ion-battery-pack-costs/
(4) https://www.nissanusa.com/vehicles/electric-cars/leaf.html
(5) https://emrc.gov.jo/Pages/viewpage?pageID=23
(6) https://www.iea.org/reports/global-ev-outlook-2020
(7) https://energypolicy.columbia.edu/sites/default/files/file-uploads/EV_ChargingChina-CGEP_Report_Final.pdf
(8) https://www.cnet.com/roadshow/news/fedex-carbon-neutral-ev-delivery-vans/