القطاع الخاص في رسالة القائد
د.عدلي قندح
01-02-2022 12:20 AM
الرسالة التي وجّهها جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، إلى أبناء الوطن وبناته بمناسبة عيد ميلاده الستين، جاءت صريحة ومباشرة وشفافة وصادقة، وتعكس حديث الناس والنخبة، بتوقيت ملائم جداً في مطلع المئوية الثانية للدولة الاردنية. فقد اعطت الدولة الاردنية حقها بما انجزته عبر قرن من الزمان، وبنفس الوقت وضعت الاصبع على الجرح. وفتحت الرسالة الطريق أمام الجميع للمشاركة في صياغة رؤية مستقبلية للدولة الاردنية تحدد فيها ملامح مستقبل الأردن في إطار وطني شامل وخارطة طريق مُحكمة للسنوات المقبلة، طالب جلالته أن تكون عابرة للحكومات.
ولفت جلالة الملك إلى أهمية أن تضمن هذه الرؤية إطلاق الإمكانيات، لتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة فرص العمل المتاحة لأبنائنا وبناتنا، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن.
وبهذا الخصوص سيتم تسخير كافة الخبرات المتراكمة والعقول الاردنية لاصدار هذه الرؤية، فالاردن غني جداً ورأسماله الوطني هو العنصر البشري المتميز والمبدع والمبتكر.
وقال جلالته إنه سيتابع تنفيذ هذه الرؤية، لتُشكّل بما تتضمنه من خطط وبرامج، المرتكز الأساسي لكتب التكليف للحكومات، وبما يضمن الاستمرارية في الإنجاز للحكومات والمسؤولين، والحيلولة دون إعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات كلما حلت حكومة محل أخرى. وهذه نقطة تحول كبيرة نعتقد أنها ستكون نقطة ارتكاز لمسيرة التنمية المستدامة والعابرة للحكومات والتي ستسرع الانجازات وتراكمها.
الرسالة أشارت بكل وضوح الى بعض القطاعات الواعدة كالسياحة والزراعة، والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، والقطاع الطبي، والتي طالب بتحفيزها ودعمها لينعكس اداؤها بإلايجاب على الأداء الكلي للاقتصاد.
وركزت الرسالة على ضرورة فتح أوسع الآفاق للرياديين من أبنائنا الشباب، وأن نوفر بيئة منافسة لاحتضان صناعات المستقبل. وقد وجهت الحكومة إلى وضع الخطط والبرامج لدعم هذه القطاعات ليعود الأردن وجهة رئيسة للسياحة العلاجية في منطقتنا. وهنا لا بد من التأكيد أن السياحة الاردنية تختلف عن السياحة في الدول المحيطة. فهناك بترا واحدة، وبحر ميت واحد، ووادي رم واحد، وعجلون واحدة، وجرش واحدة، وما يتمتع به الاردن من مناخ متميز يعطيه ميزة مطلقة على غيره.
ما نحتاجه هو تطوير الخدمات وتحديثها لتلائم متطلبات ورغبات زوارها.
تركيز جلالة الملك على دور القطاع الخاص في الرسالة كان واضحاً جدا ونابعاً من قناعته التامة وايمانه التام بهذا القطاع الذي يقوم بدور كبير في الاقتصاد الوطني. فغالبية التحديات والمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأردني من فقر وبطالة وارتفاع في حجم المديونية وتباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، لا يمكن التصدي لها والتخفيف من تبعاتها دون مشاركة فاعلة من القطاع الخاص المحلي والمستثمرين ورجال الاعمال المحليين والعرب والاجانب. ومن المعلوم أن القطاع الخاص متواجد في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية منذ انشاء الدولة الا?دنية قبل مئة عام. وقد وفرت الدولة الاردنية على مدى العقود الماضية بيئة مناسبة لهذا القطاع للنمو والازدهار، وان تخللها بعض الهفوات فقد حان الوقت لمعالجتها. وقصص النجاح في هذا القطاع متنوعة وأصبحت نماذج تحتذى داخل الاردن وخارجه.
توفير المناخ الملائم لتعزيز دور القطاع الخاص سيكون لمصلحة الجميع، فكل مشروع ناجح ينشئه القطاع الخاص يعني أن عبء التشغيل سينتقل من الحكومة والقطاع العام الى القطاع الخاص وهذا يعني تخفيف العبء عن القطاع العام والموازنة العامة التي تعاني من عجوزات مزمنة. وتخفيض العجز يعني كسر منحنى المديونية المتصاعد، ويعني أيضا توفير الاموال للمشاريع الرأسمالية ومشاريع الشراكة وما لذلك من انعكاس ايجابي في توفير فرص عمل وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة.
القطاع الخاص، بالمقابل، مطالب بالاعلان عن خططه ومشاريعه وأفكاره الجديدة والمتنوعة والمبادرة للمشاركة بها مع الحكومة والقطاع العام والمستثمرين العرب والأجانب. ويتوقع الجميع أن تكون المشاريع متوافقة مع التطورات التكنولوجية الحديثة والثورة الصناعية والتحولات الاقتصادية العالمية، فتشمل مشاريع تخص المرأة والشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع كبرى وعملاقة. ويتوقع لتلك المشاريع أن تكون منحازة لصالح الاقتصاد الاخضر وأهداف التنمية المستدامة.
وحتى تكون التنمية شمولية في المملكة من الحكمة أن تتوزع المشاريع المقترحة على مختلف القطاعات الاقتصادية ومختلف محافظات المملكة وأن تراعي الميزات النسبية للمحافظات.
علاوة على ذلك، لا بد من توفير مصادر تمويل متنوعة وحقيقية لتلك المشاريع. ولا بد من اعادة هندسة هيكل التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك لمختلف القطاعات الاقتصادية، بحيث يتم التركيز أكثر على اقراض وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشروعات الصناعية والكبرى المجدية اقتصاديا، بعيدا عن تمويل السيارات والقروض الاستهلاكية.
تركيز جلالة الملك على قطاع التعليم جاء في وقته المناسب وخاصة أن الكثير من الدراسات أشارت الى وجود فجوة ما بين مخرجات التعليم وفرص العمل المتوافرة أو التي ستتوافر في السنوات القادمة، وذلك ناجم عن التحولات التي احدثتها الثورة الصناعية الرقمية الحديثة، والتي ستعمل على الغاء نسبة كبيرة من فرص العمل القائمة حاليا وبنفس الوقت توفير فرص عمل جديدة. لذا لا بد أن يتم الاستفادة من مراكز الابحاث والمختبرات العلمية وحاضنات الاعمال في الجامعات وغيرها، وأن يصاحب ذلك ثورة تحديث في مناهج الجامعات تقرب النظرية من الواقع الع?لي وما هو متوافر في الاسواق، وأن يتم ربط التعليم بالتدريب العملي الحقيقي الذي يحفز المهارات ويصقلها.
وفي الختام نقول إن الرسالة الملكية جاءت بتوقيتها المناسب ومرحلتها الدقيقة وأرادها القائد لتؤسس لانطلاقة قوية وجديدة لمئوية ثانية من عمر المملكة الاردنية الهاشمية.
كل عام والقائد بالف خير، وحمى الله الاردن.
الرأي