أسباب فشل النظام الكهربائي في تقرير أُلقيَّ على الرف؛ فلم اللجان
د. جمال المصري
31-01-2022 12:58 PM
أنصح رئيس الوزراء ووزير الطاقة عدم اضاعة الوقت بتشكيل اللجان للتعرف على اسباب فشل شبكة ومنظومة الكهرباء التي لم يحصل عليها أي تحديث منذ عام 2008، لأنه وببساطة شديدة هذه المسؤولية تقع على الشركة الأردنية للكهرباء، نيبكو، وليس على الشركات التي حظيت بمغنم تخاصية قطاع الكهرباء انتاجنا وتوزيعا؛ وهذا بناء على حقائق لا ينبغي لأحد الاستمرار بتجاهلها وتغييبها.
هذا الحديث ليس تحليلا ولا اصدح به من رأسي، لكنه من قراءة تقرير التخاصية الذي ترأسه رئيس الوزراء د. عمر الرزاز قبل استلامه سدة الوزارة بسنوات. وما زلت اذكر كلام جلالة الملك له عندما قدم له التقرير النهائي عندما قال له " أتمنى ألا يرمي التقرير وتوصياته على الرف كما دائما". لكن مع الأسف الشديد، فقد رمي به على مدى زاد عن ثمان سنوات، وربما يكون الغبار قد طال أوراقه ودثرها.
إن الإجابة على الأسئلة التي تنوي اللجنة المشكلة للوقوف على اسباب الفشل الكهربائي التحقيق فيها، تأتي جاهزة وحاضرة في تقرير لجنة تقييم التخاصية التي تولى الدكتور عمر الرزاز رئاستها كما قلنا والتي لخص نتائجه خلال لقائه الصحفي مع وكالة الأنباء الأردنية يوم 3 حزيران 2014 والتي أقتبس منها: "إن مراجعة تجربة خصخصة قطاع الكهرباء تظهر جلياً أن الخصخصة بحد ذاتها لم تنجح في تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، أكانت بتعظيم الاستثمار الاستراتيجي، أو بحماية الخزينة من تبعات زيادة كلفة الوقود، أو بزيادة كفاءة القطاع، أو تنويع مصادر الطاقة.
ويعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل من بينها التوجه نحو مستثمر مالي بدلاً عن مستثمر استراتيجي في قطاع الإنتاج والتوزيع، والفرق كبير بين الإثنين حيث ترتبط الآثار المترتبة على خصخصة قطاع الكهرباء بهيكلية وآليات تنظيم القطاع وبفصل قطاع إنتاج الطاقة عن النقل والتوزيع. كما يتم تحديد أسعار بيع الكهرباء إلى شركة الكهرباء الوطنية بناء على اتفاقيات ثنائية تبرم بينها وبين شركات التوليد، وتتولى هيئة تنظيم قطاع الكهرباء عملية تحديد أسعار بيع الكهرباء من شركة الكهرباء الوطنية إلى شركات التوزيع، وأيضاً عملية تحديد تعرفة الكهرباء للمستهلكين. وبالتالي فإن شركة الكهرباء الوطنية هي في المحصلة الجهة الوحيدة التي تتحمل المخاطر المالية". لاحظوا كيف أن الشركات الفائزة بغنم الخصخصة غير مسؤولة عن تطوير الشبكة الكهربائية والتوسع فيها وصيانتها.
كما جاء مقال للمهندسة هالة الزواتي وزيرة الطاقة السابقة بتاريخ 6/4/2015 بجريدة الغد التي وصفت فيها نتائج عملية خصخصة قطاع الكهرباء بالمعادلة الصعبة التي تدفع ثمنها الحكومة و ’’أخي المواطن’’ حسب تعبيرها، ليوضح الصورة أكثر عندما قالت: "إن المضحك المبكي هو أننا في الأردن ’’خصخصنا’’ كلا من عمليات التوليد والتوزيع ولكن الحكومة لا تزال تدفع ثمن عجز أو ضعف تلك المحطات وتلك الشبكات، ذلك لأن من يدفع ثمن النفط المورد لشركات التوليد هي الحكومة (ممثلة ايضاً في شركة الكهرباء الوطنية)، وإن من يدفع ثمن الفاقد في شبكات النقل والتوزيع هي ايضاً الحكومة (ممثلة في شركة الكهرباء الوطنية)".
إن الاقتباسين أعلاه يحددان سر المشكلة والحقائق وراء ترهل الشبكة الكهربائية واستدامتها وأيضا وراء استمرار تحميل المستهلكين والصناعة، بشكل غير مبرر، عبئا أثقل قدرتهم على التحمل على مدى أكثر من عشر سنوات أو منذ أن تم خصخصة عمليات التوليد والتوزيع لقطاع الكهرباء، والتي كانت أسبابها الموجِبة المعلنة في حينه هي الاستفادة من خبرات الشريك الاستراتيجي في قطاع الكهرباء وزيادة كفاءة عمل شركات التوليد عبر إدارات ذات خبرة في قطاع الكهرباء بما يضمن معادلة عادلة تحدد سعر بيع الكهرباء المولدة منها الى شركة الكهرباء الوطنية. وقد كان تقرير لجنة تقييم التخاصية واضحا في وصف وتفنيد هذه العلاقة الاستراتيجية المدَّعاة التي لا تتعدى مجرد الشعارات؛ فقد أكد أن المستثمر كان ماليا لا استثماريا. وهو التقري الذي دفع جلالة الملك لتوجيه الحكومة "بعدم وضع التقرير على الرف" وبسرعة تنفيذ توصياته والتي من أهمها "إعداد استراتيجيات عملية لقطاعات الكهرباء والطاقة والاتصالات والنقل الجوي والمياه لبلورة رؤية واضحة لها، وضمان التنافس العادل بين المشغلين، وكسر الاحتكار بما يخدم الصالح العام". فمن هو المسؤول إذن عن رمي هذا التقرير الأهم بين تقارير التقييم التي أجريت في الأردن على رف التجاهل وتغييب الحقائق!، فصار كالصبي الذي أُلقي في الجُبِّ ولم يجد دلو ينتشله.
لقد أخلت شركات التوليد والتوزيع وشركة الكهرباء الوطنية على حد سواء بالأسباب الموجبة لخصخصة قطاع الكهرباء، وكذلك أخلت شركة الكهرباء الأردنية بالاتفاقات المعقودة بإعفائها الشركات المستثمرة من مهمة تطوير القطاع وتحمل شركة الكهرباء لتكلفة إدامة واستطاعة هذه الشركات وتوسعها في مجال التوزيع والتوليد ولفرق أسعار التكلفة عن أسعار البيع والذي يضمن للشركات المستثمرة تسجيل الأرباح بعشرات الملايين؛ بفضل شروط تلك الاتفاقيات التي تضمن تحقيق هذه الشركات لأرباح لا تقل نسبتها عن 10% سنويا وهو ما تؤكده القوائم والبيانات المالية لهذه الشركات.
إن هذا الإخلال من طرفي المعادلة هو أكثر من كاف للرد على كل من يدعي بإلزامية تلك التعاقدات التي تستدعي المراجعة والتقويم وتصويب الخطأ الذي نرى بأنه لم يكن مقصودا، لكن استمرار الارتهان لهذه الاتفاقات على حساب الصالح العام يبعث على الريبة والحيرة؛ ذلك أنها جعلت ’’ الغُرْم’’ كله للحكومة الذي يرحل للمواطن والاقتصاد بالتالي، بينما ’’ الغُنْم’’ غير ناقص لشركات الكهرباء المخصصة. كما شكلت هذه الاتفاقات والعقود المجحفة مع هذه الشركات نوعا من الاحتكار وقف عائقا أمام إعادة هيكلة هذا القطاع والدخول في عقود تشغيل تضمن التوسع والتطوير لأنشطة هذا القطاع والاستفادة من تكنولوجيا الطاقة المتقدمة، وتوسيع نطاق استغلال الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة الكهربائية بما بتجاوز السقوف المتواضعة المحددة لها في استراتيجية الطاقة.
المطلوب اليوم؛ هو إلغاء اتفاقيات خصخصة قطاع الكهرباء المجحفة تلك ومراجعتها وإعادة صياغة العلاقة معها فقد تسببت بالغبن الفاحش؛ بل أنه أكثر فحشا وإضرارا من غبن “العطارات".