في ميلاد القائد سُطور من الفخر تُخط على صفحات أردنية زاهرة
د. إسلام مساد
30-01-2022 02:01 PM
يحتفل الأردنيونَ في الثلاثين من كانون الثاني من كل عام بعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفَظه الله ورعاه، وتُعتبر هذه المُناسبة الوطنية السعيدة، الأقربَ إلى قُلوبِ الأردنيين؛ لأنها تمُثِلُ وقِفةَ اعتزازٍ وافتخارٍ بملكٍ هاشميّ استطاع أن يصلَ إلى قُلوب الملايين من أبناءِ شَعبه ووُجدانهم، إنه «عبدُالله» سليلُ الدوحة الهاشمية ملكُ القلوبِ والإنسانية، وقد أصبحت هذه المُناسبة الوطنية مُتجذرةً وخالدةً في الضمير والوجدان الأردني، لتؤكد عاماً تلوَ عام بأن خُطوات التنمية والبِناء والعمل في ظل القائد تُزيِّنُ مَسيرةَ الوطن الأغلى والأبهى.
إن ذكرى مولد جلالته لتُعتبر في نظر الأردنيينَ مولدَ الأمل الواسع والتطلُّعات الرائدة للأردن، فحين نتنَسمُ عبيرَ هذه الذكرى الأغلى والأعز على القلوب، نستذكر باعتزازٍ وإجلالٍ وإكبار الملكَ الراحل الحُسين بن طلال–طيّب اللهُ ثراه–لا بل ويتجسدُ صوتُه في مسامعنا وتطرَبُ آذانُنا حين قال: «ولسوف يكبُرُ عبدُالله ويترعرعُ في صُفوفِكُم وبين إخوتهِ وأخواتِه من أبنائكِمُ وبناتكُم، وحينَ يشتدُ به العود ويقوى لهُ الساعِد سيذكُر ذلك اللقاءَ الخالد الذي لقيَ به كلُّ واحدٍ منكُم بُشرى مولِدِه، وسيذكرُ تلك البهجة العميقة، التي شاءت محبتُكم ووفاؤكم إلا أن تُفجّر أنهارها، في كل قلب من قلوبكم، وعندها سيعرِفُ عبدالله كيف يكون كأبيه، الخادمَ المُخلص لهذه الأُسرة، والجُندي الأمين، في جيش العروبة والإسلام»، وهذا ما نلمِسُه اليوم ونعيشُه. ملكٌ عظيم يتمتعُ برؤية ثاقبةِ وحِنكةٍ سياسية عَميقة قلَّ نظيرُها، فمُنذ أن تسلّمَ جلالتُه–حَفِظَهُ الله- مقاليدَ الحُكمِ في العام 1999، نذرَ نفسَه لخدمة أبناء شَعبِه من مُختلف المنابت والأُصول، الذين بادلوه الحُبَّ بالحب والإخلاصَ لشخصه ومقامه، والوفاء والانتماء للوطن الأعز الأغلى، في نسيج واحد مُتماسك صنعَ الأردن النموذج على المُستويين العربي والعالمي.
واستطاع جلالتُه بحِكمتِه وبصيرته واستشرافِه عبر سِجلٍ حافلٍ، راكَمَ فيه وعياً استباقياً ورؤية مَلكية تحليلية، أن يحمِلَ الأردن إلى مصاف الدول المُتميزة. فقد سبقَ بفكره ورؤاه الحكومات والمؤسسات الأردنية التي طالبها على الدوام بأن تنتهج في سياساتها التنفيذية «الفعل لا القول» في ظل التغيُّرات المُتعددة مُطالِباً إياها بتفكيرٍ من نوعِ جديد، تفكيرٍ «خارج الصندوق» للخُروج من الكثير من الأزمات ومُجابهة التحديات لِرِفْعَة الأردن وإنسانه.
وتمكّن جلالتُه على المُستوى الخارجي أن يضعَ الوطنَ على الخارطة العالمية، بفعلِ الفَهمِ العميق والتشخيص الدقيق للمُشكلات العالمية والإقليمية، وتقديم الحُلول المَنطقية والمُثلى لكُل ما يعترض مسيرة الوطن عبر حِفظ التوازنات السياسية للأردن في محُيط عاصفٍ يحفَلُ بالتشظيّ والتُفُّتت والنزاعات، فكان الأُردنُ المُستقِرُ الآمِنُ صاحبُ المواقف الثابتة، مُركّزاً على كُلِّ ما من شأنه رأب الصّدع عربياً وإيجاد اللُحمّة بين الإخوة، وتجسير الفُجوات وتفعيل العلاقات على كُل المستويات، فبات الأردنُ مقروناً باسمه وبإنجازه وبكريم مَقامه.
وقد حققت المملكةُ في عهد جلالته العديدَ من الإنجازاتِ الوطنيةِ على كافة الأصعدة ومنها قطاع التعليم العالي، إذ كان اهتمامُ جلالته بتعزيز مُكتسبات هذا القطاع نهجًا هاشمياً مُتوارثًا باعتباره سبيلًا مُوازيًا ومُكمّلِا لقطاع التربية والتعليم في بناء الإنسان الأردني، وقد تجلّى هذا الفكرُ الهاشمي، من خلال توفير كافة مُتطلبات البناء لمؤسسات التعليم العالي المُتمثلة في الجامعات والمَعاهد الجامعية، ودعمها من خلال رفدها بالكوادر العلميّة والفنيّة المؤَهلة، إلى جانب تحفيز الباحثين والمُبدعين للانطلاق نحو مساحة أكثرَ رَحابة من الإبداع والتجديد.
كما مثّلت التوجيهات الملكية السامية نبراسًا وبُوصَلة اهتدتْ بها مؤسساتُ التعليم العالي الأردنية من حيث ضرورة التوسُّع في البرامج الأكاديمية غير التقليدية، والاتجاه نحو التخصُصات المِهنيّة التي يحتاجُها سوقُ العمل الأردنيّ والعربيّ والدوليّ، بوصفها إحدى الأدوات الفاعلة لتعزيز الإنتاج، وضرورة وضع خططٍ استراتيجية تُعيد بناء قطاع التعليم العالي، بما يُلبي الحاجة والمَصلحة الوطنية.
وتوالت الدعوات والتوجيهات الملكية السامية، بضرورة تعزيز العلاقات مع مُختلف المؤسسات الأكاديمية الدولية والجامعات حول العالم، والتشبيك معها لتنفيذ برامج أكاديمية ومشاريع بحثية فريدة ومُتميزة، تُساهم في استقطاب طلبة وباحثين من مخُتلف الدول حول العالم، لما لذلك من أهمية في تعميق المنُجزات الوطنية التي تخصُّ قطاعَ التعليم العالي بشكلِ عام، ورفد الجامعات بمصادر تمويل إضافية لإنجاز مشاريعها.
أما جامعةُ اليرموك فقد خَطَتْ في عَهد جلالته الزاهر خُطواتٍ واسعةً على صعيد كُلياتها وبرامجها العلمية والأكاديمية ومراكزها البحثية، فقد أنشأت الجامعة في عهد جلالته، ثماني كليات في مُختلف العلوم الطبية والإنسانية والعلمية، لتواكبَ احتياجات المجُتمع الأردني والسُوق العربي والإقليمي وتُلبيها، كما حظيت الجامعة بِسلسلة زيارات ملكية سامية، كان أبرزها في العام 2008 حين وضع جلالته حجر الأساس لكُلية الإعلام في الحرم الجنوبي من الجامعة؛ لتكون بذلك أول كُلية مُتخصصة في علوم الإعلام والاتصال على مُستوى المملكة، فضلاً عن مُتابعة جلالته لهذه الكلية عبر توفير كافة مُتطلبات النجاح لمُختلف برامجها خاصة التطبيقية منها، والتي كان آخرها العام الماضي، إذ تم بتوجيهات مُباشرة من لدُن جلالته تكليفُ رئيس الديوان الملكي الهاشمي بتسيلم الكلية عربة نقلٍ خارجيّ مُزودة بأحدث تقنيات الإنتاج التلفزيوني؛ لتدريب طلبة الكلية على مُختلف فنون العمل التلفزيوني.
فيما تشرَّفت الجامعة في العام 2012 بزيارة ملكية أخرى التقى جلالتُه فيها أبناءه الطلبة وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية، في لقاءٍ حِواري مُباشر في مُدرّج الكندي بكلية الآداب، تناول فيه عدداً من القضايا الوطنية، وكانت الزيارة الثالثة لجلالته في العام 2019، حين التقى مجموعة من الطلبة في مبنى الندوات والمؤتمرات أثناء حضورِهم جلسةً توعوية حول البرنامج الوطني للتشغيل الذاتي «انهض» مُتحاوراً معهم حول جُملة من القضايا التي تُهمُ الشباب الأردني ودوره في النُهوض بمُستقبل الأردن.
اليوم ونحنُ نحتفلُ بهذه المُناسبة الخالدة نتضرعُ إلى المولى عزّ وجل أن يكلأ جلالته بعين رعايته وأن يحفظه بكريمِ حِفظه؛ فمَعَهُ نقهرُ المُستحيلَ ونُعلي البُنيان وندشِّنُ الصروح ونُعززُ ونستثمر في الانسان، هذا هو الأردن وهؤلاء هُم الأردنيون الذين صاغوا اسم وطنهم بحروف من ذهب وحافظوا عليه وحَموهُ، وعضّوا عليه بالنواجذ؛ ليدوم وينمو ويصل إلى ما وصل إليه وليدخُل المئوية الثانية من عُمر الدولة الأردنية وهي تسيرُ بأمان وعزيمة واقتدار.
حمى الله الأردن كريماً عزيزاً عصيّاً على كُل طامع، وحفِظ مليكنا المُفدى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وولي عهده الأمين.
* رئيس جامعة اليرموك
الرأي