بعد انتظار وترقب وصلت الجبهة الباردة ,وغطت الثلوج التي افتقدناها منذ وقت طويل كل ما حولنا , استيقظنا صباحاً لنجد كثافة الثلوج أكثر من المتوقع وعلى قدر جمال المنظر وروعته كانت الخسائر ,رحتُ أحصي خسائري , شجرة السرو انحنت أمام الريح وبفعل كمية كبيرة من الثلج أثقلت كاهلها ,فآثرت أن تعمل بالحكمة القائلة :(انحني للريح حتى تمر العاصفة) ولا أعلم إن كانت ستنجو أم ستحتاج إلى البتر من المكان الأضعف ,أما شجرة الزيتون على ما يبدو لم تستوعب الحكمة بقيت واقفة فانكسر غصن كبير وسقط وانفصل عن الجذع الذي كان يحتضنه ويحنو عليه ,شجرة الليمون كانت ليّنة فمالت وتوسّدت طراوة الثلج ورغم وجع الإلتواء لم تنكسر ظلّت مصرة على التكّيف, أما الياسمينة فمالت على السياج الحديدي ولم تجد ضيراً من الاحتماء بصديق حتى تمر الجبهة.
الذي سيحدث أن الجبهة ستمر - فلابد للوقت أن يمضي – وستتعافى أشجاري رغم الخسارة, وستعود الحياة تسري في عروقها , ستتأقلم وستتجاوز المحنة ,وسيأتي الربيع ,شجرة السرو بعد البتر ستغدو أقوى فقد استطالت على أساس ضعيف, وستعوض شجرة الزيتون الغضن المكسور بنمو جديد غض يجعل وجهها أجمل ويبعث فيها الحياة من جديد فقد كان الغصن المكسور ضعيفاً يعيق نموها لكن قلبها لم يطاوعها على التخلص منه ففعلت العاصفة ذلك نيابة عنها, وشجرة الليمون ستستعيد عافيتها ويمتزج الأخضر بالأصفر ربما بحبات ليمون أقل لكن بحجم أكبر ,والياسمينة ستنتعش من جديد فقد وجدت صديقاً صدوقاً عندما احتاجته.
وهكذا نحن البشر نتعرض للعواصف والمواقف الصعبة نعتقد وهي تجتاحنا أننا انكسرنا ,لا نستطيع أن نرى أي جانب ايجابي , نضطر أحياناً للانحناء حتى تمر العاصفة ,نشعر بطعم الهزيمة وأنها نهاية العالم , نبدأ نحصي خسائرنا وهزائمنا بوجع, لنجد بعد أن ينقضي الوقت وبعد مرور العاصفة ,حيث أصبح بامكاننا أن نرى الصورة من بعيد و بشمولية,من خارج الصندوق الذي كنّا فيه, أنه وبرغم الخسائر كان هناك جانب ايجابي, وخير لم نكن نتوقعه , فالجزء الذي أوجعنا بتره لو بقي لسمم حياتنا وكان البتر بداية التعافي ,وأن ما كنّا نتمسك به و نخشى خسارته هو الذي كان يعيق نجاحنا وتقدمنا وبعد سقوطه انفتحت أبواب الخيرعلى مصاريعها, وكثير من الأمور التي لم نكن نتوقع أن نتكيّف معها لم تكن سيئة كما كنّا نعتقد ,والذين كانوا أصدقاء ظهر أنهم ليسوا كذلك ,ووقف بجانبنا من لم نكن نتوقع منهم ذلك !
إذن هي الحياة و حكمة واهب الحياة ففي كل محنة منحة ,وطريق النجاح مرصوف ومحفوف بالصعاب والتحديات , لن ندرك قيمة الفوز ما لم نخسر ولا قيمة النجاح ما لم نُخفق ,ولن نعرف حقيقة من حولنا إلا بالمواقف الصعبة,وستدرك أن ما أوجعك هو الذي أنقذك ,وما آلمك فقده هو الذي كان يقف في طريق نجاحك.