في طفولتنا حتى نهاية الثمانينات كان جميع الشعب الأردني ومن والاهم يستيقظون صباحا فيجدون الثلوج قد غمرت الأرض ببياضها وغزارة الندف الذي تهاطل بهدوء حين ليلة شتوية، وفي ذلك الوقت لم تكن كل هذه الرفاهية التي نجدها اليوم في متناول يد الأغلبية موجودة، بل كانت الطرقات ضيقة والتخطيط لها بدائياً، والجهود في فتح الشوارع تقتصر على الشوارع الرئيسة في عمان والمدن، والناس يملأوهم الفرح رغم قلة مواردهم، كان الكاز هو المأونة الشتوية لغالبية بيوت الأردنيين من الجنوب حتى الشمال، وليس هناك متنبئ جوي سوى دائرة الأرصاد الجوية، كنا نغوص في الثلوج والوحل لنوصل الإمدادات للأقرباء، والشكر على كل لسان دون شكوى أو تذمر.
اليوم وفي ظل كل ما انتجته الصناعات الغربية والشرقية من وسائل الراحة والتدفئة بأنواعها والتكنولوجيا الرقمية والهواتف الذكية والمركبات الفارهة، وانتشار المحال التجارية في كل المدن والأحياء والقرى ما زلنا نشتم حظنا ونشتم غيرنا ونتكاسل عن الدافعية لتنظيف مداخل بيوتنا وإزاحة الثلوج الخفيفة عنها، فالجميع ينتظر الجرافات والكاسحات التي وإن تساعد بفتح الشوارع ولكنها تضرب أحيانا البنية التحتية للشوارع المتهالكة أصلا، يقابلنا في الطرف الآخر راكبو السيارات الذين يخاطرون بخروجهم ويشكلون خطرا واقعا على أنفسهم أولا وعلى ممتلكات الآخرين، حيث تناقلت الفيديوهات مقاطع لرعونة جنونية في كل المناطق.
في المقابل، رصدت أكثر من عشر كاسحات وجرافات متوقفة على جانبي طريق المطار مثالا لثلاثة أيام قبل موعد العاصفة الثلجية الطبيعية جدا، وبعد هطول الثلوج وتماسكها هناك لم يستطع الكثير من السائقين إنقاذ مركباتهم العالقة، فيما تلك الكاسحات لم تفِ بالحاجة سوى فتح مسرب وإزاحة كتل الثلج الى المسارين، وكأن المسؤولين لا يدركون أن هناك من الترهل واللامبالاة ما لا يمكن السكوت عنه، ثم فجأة نكتشف أن الكهرباء قد انقطعت عن أحياء كثيرة في العاصمة والمحافظات لساعات طويلة، وهذا ليس خطأ آنياً، بل هو مسؤولية قديمة للشركات العاملة في توزيع الكهرباء في عدم تجديد شبكة الكهرباء التي لا تتحمل أصلا الأحمال ولا تصل فولتيتها على الأغلب الى 220 فولت وهذا سبب آخر لارتفاع قيمة الفاتورة.
كل ما تقدم هو كلام في المشهد الثلجي، ولكن ما هو غير معقول أن المسؤولين في شتى قطاعاتهم قضوا ساعات طويلة يتحدثون عبر وسائل الإعلام ويناقشون المشكلة ويدحضون الأقاويل، ومنهم من يقدم كشف حساب لجهود مؤسساتهم وكيف انهم لم يناموا الليل متواصلين لتقديم الخدمات، فيما الشعب ينتظر فتح الشوارع وإعادة الكهرباء وإعادة الاتصالات الهاتفية المتقطعة والإنترنت، وإيصال الغاز للبيوت وغيرها من الاحتياجات التي قاربنا على الظن أنها تشابه موعد معركة وليس ثلوجا تمر بعد يوم أو يومين.
الأتعس هنا فيما يخص بعض المواطنين الذين خرجوا الى الشوارع دون أي داع معرضين أنفسهم للنوم حتى الصباح، أو تقاذفهم بكرات الثلج على المركبات أو سيارات الإسعاف أو الكاسحات، فيما أصدرت مديرية الأمن العام تحذيرا للمواطنين بعدم وضع الحجارة في كرات الثلج، والتي تسببت بإصابة العديد من الأشخاص، فأي عقلية هذه التي لا تزال «معشعشة» في رؤوسهم، هذه طريق موحشة وسوء تربية يجب علاجها فورا من قبل الآباء، وليتعلموا من المواطنين الصالحين الذين هبوا لتقديم الخدمات وإيصال المعونات للمحتاجين، جزاهم الله خيرا.
المهم إذا رزقنا الله بثلوج في الأسابيع القادمة، فبالله عليكم لا «تعجقوا الدنيا»..
Royal430@hotmail.com
الرأي