يصادف اليوم عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الملك الرابع في تاريخ الأسرة الهاشمية العبدلية، والمناسبة حاضرة في هذه الأيام الشتوية المباركة من هذا الشهر الذي حمل الخير كله في نهايته، بعد انحباس طويل للمطر وابتهالات وصلوات الاستسقاء، وأنعم الله علينا بأن أهدانا الزائر الأبيض الذي زين مدننا وقرانا وحوارينا الأردنية المترامية، وتزامن هذا الاستهلال مع عيد ميلاد عبدالله المعزز، الذي يشكل في ذاكرتنا الأردنية يوما وطنيا، فهو ليس عيدا يخص شخص الملك بذاته وإنما يخص كل واحد منا؛ لرمزية يتمتع فيها الملك لدى الكثيرين ممن يرون ضرورة استقرار الأردن والمنطقة، وهذا يجعل هذه الذكرى استذكارا لكل ما يوطن قلوبنا وعقولنا، ممسكين على هذا الأمن الذي نخاف أن يأخذ بتلابيبه الذين يريدون لنا ولبلدنا شرا.
وها هي سنة جديدة من عمر الملك تعانق بداية المئوية الثانية من عمر الدولة، لتسطر الذاكرة الأردنية جامعة كل هذه المناسبات في أحد ما زال يكتسي بالأبيض، وتستذكر هيبة الدولة المرتبطة في رمزية الملك التي تكبر فينا ونكبر فيها، وتجعل من الأردن وطنا كبيرا يستمد مشروعية مختلفة متجذرة في التاريخ، وعلى جغرافيا تمتد من الشمال المتنامي أصالة مرورا بالوسط المزدهر تحضرا، إلى الجنوب الموغل في التاريخ، ملتفين جميعا حول قيادتهم كسوسنة الأردن السوداء.
وتأتي هذه المناسبة الملكية والأردن يتجاوز الكثير من التحديات، ليس آخرها ما قام به الملك من إفشال خطة القرن التي ذهبت بالذين قاموا باختلاقها، ووأدت الفتنة التي انطلقت من خارج الحدود ومن أعداء الوطن للإطاحة بالنجاح الذي حققه الملك في كافة الميادين الداخلية والخارجية، وعاد الملك كأفضل شخصية قيادية عربية لتمثيل الأردن والعالم العربي في المحافل الدولية في الدفاع عن القضية الفلسطينية والمقدسات وفي تأكيد الحق الهاشمي في الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
ومع كل ما يكتنف حياة الأردن السياسية بمختلف المعطيات التي تحاك أو تطرأ لن يكون لنا كهذا القائد الذي يدير الأزمات بيد حكيمة حانية، ولن يصلح في المئوية الثانية أن نتعاطى مع غير هذه الأسرة النبيلة التي أثبتت قياداته المتعاقبة حنكتها وقدرتها على السير الحثيث في الأردن في ركاب التطور، وإدارة الصراعات كافة رغم وقوع الأردن في بؤرة ساخنة وحساسة.
لقد قدم الملك أوراقا نقاشية أفضت إلى أكبر عملية تحديث سياسية في تاريخ المملكة لتكون بطاقة مرور للمئوية الثانية من عمر الدولة في عمر العالم، فإذا كانت الدولة أتت بمئويتها الأولى مع عبدالله الأول فالمئوية الثانية تأتي عبر عبدالله الثاني، ما يجعل الأردن ينعم باستقرار ينظر إليه بعين الاعتبار مقارنة بمحيطنا العربي والإقليمي. ومثلما كان الحكم ينتقل بسلاسة بين الملوك الأربعة فإن الدستور يتم تعديله وفق رؤى الملك بطريقة تجعل من صلاحيات الملك تأتي مواكبة للتطور الذي يشهده العالم والأردن، وهذا يجعل عبدالله الملك المعزز يضع اللبنة الأولى لنقل بعض الصلاحيات التي تنقل الأردن لدولة عصرية على النمط الديمقراطي؛ بما لا يبتعد عن قيم الدين والعروبة وباعتبار الأردن دولة الوحدة، وجيشها هو اللبنة الأولى لجيش النهضة الذي ناهض الانحراف التركي في بدايات القرن الماضي، والتعدي الاستعماري الغربي، واستكمل الملك عبدالله رسالة الهاشميين كما ينبغي لجيل جديد من ملوك ال هاشم حملة الراية في المستوى العربي والوطني، واستنهض الأردنيون من خلال رسالتهم تجاه الأمة ليكونوا العضد الأقرب لأشقاء الدم والجغرافيا في فلسطين الحبيبة ودول الجوار.
كل عام والأردن بخير بعيد ميلاده الميمون، وكل عام والملك بخير في يوم أردني بامتياز، حفظ الله الملك بصحته، وعافى الأردن من الذين يبثون في فضائنا ذبابا إلكترونيا وفتنة لا نريدها إلا أن تتراكم فوق ثلج هذا الشتاء لتذوب في هذه الأرض الحبلى بالمحبة والأمل لتزهر مع عبدالله الملك والإنسان.