ربطت فضل الدلقموني بوالدي علاقة صداقة منذ كانا يعملان في القُدس، الأول محافظاً للمدينة المقدّسة والثاني في صحيفة “فلسطين”، وربطت بين العائلتين مصاهرة تاريخية حين تزوّج نجله نائل خالتي نهاية، قبل أكثر من نصف قرن، ومنذها لم نفترق، نتشارك الأفراح والاتراح.
كانت نبيلة (أم ماهر) ابنة فضل الكبرى قد تزوّجت بالحقوقي الراحل أحمد عبد الكريم الطراونة، الذي شغل بعدها حقيبة وزير العدل، وكنّا نتندّر بأنّنا نُشكّل وحدة وطنية حقيقية، حيث تمثيل الشمال الإربدي لأبي نبيل والشركسي لأمّ نبيل والجنوب الكركي لأبي ماهر والغرب الفلسطيني لأبي باسم.
أم ماهر كانت واسطة العقد، وبالنسبة لي فقد كانت القارئة المثقفة الجريئة، التي ظلّت تُحاجج أبي في ما يكتب، وبعدها لم تكن تبخل عليّ باتصالات مباغتة لتبدي رأيها بمقالاتي، وقبل أشهر قليلة وردني إتّصال منها، فسارعتها بالقول: ستّي أمّ ماهر واضح أنّ مقالتي لم تعجبك؟ فضحكت وردّت: طبعاً فكيف لإبن إبراهيم أن يكتب إيجاباً عن فُلان! وأخذت تُعدّد مثالبه!
نبيلة رحلت اليوم، وليس غريباً أن توصي بدفنها إلى جانب زوجها في قرية المزار الجنوبي، وليس في إربد حيث مقبرة عائلتها، أو في جرش حيث طفولتها مكان لقاء والديها، أو في عمّان حيث حياتها ورحيلها، بعد أن تركت أثراً طيباً عند كلّ من عرفوها، وخلّفت ثلاثة أولاد وبنتين يتقلّدون أحسن المواقع ويسطّرون قصص نجاحات.
أحزن على فقدان أم ماهر، كما لو أنّها خالتي أو عمّتي أو أختي الكبيرة، وأحزن عليها لأنّها مثّلت في حياتها المرأة الأردنية بأروع الصور، حيث الزوجة الصالحة، والأم الرائعة، والمثقفة القارئة التي لا تكترث بإعلان رأيها مهما بلغت صراحته وجرأته، فرحمك الله يا نبيلة، وللحديث بقية.