المقالة الجامعة / الحلقة الثانية
اللواء المتقاعد مروان العمد
28-01-2022 01:28 PM
اتابع في هذه الحلقة تعليقاتي على بعض الاحداث التي حصلت خلال الاسابيع الماضية - فيلم اميرة انتج عام ٢٠١٩ كانتاج مشترك بين الاردن ومصر وفلسطين . شارك في عدة مهرجانات دولية كانت بدايتها في مهرجان البندقية السينمائي عام ٢٠٢١ . ثم في مهرجان الجونة في مصر ، ومهرجان قرطاج في تونس ، ومهرجان البحر الاحمر السينمائي في السعودية ، ومهرجان كرامة لحقوق الانسان في الاردن . وفي كل مكان كان يعرض فيه كان يلاقي الاستحسان والاشادة ، وقد حصد ثلاث جوائز دولية في مهرجان البندقية ، مما جعل الهيئة الملكية للأعلام ان ترشحه باسم الاردن لجائزة الاوسكار . عندها ظهرت مساوئ هذا الفيلم وشُنت عليه حملة ادت الى سحبه من تمثيل الاردن لهذه الجائزة . ولكن يا ترى هل الحملة على الفيلم كانت لمساوئه ، ام لانه كان مرشحاً باسم الاردن لهذه الجائزة . انا لا ادافع عن الفيلم ولم اسمع بالسابق عنه ولا عن تهريب النطف ، ولكن مجرد علامة استفهام .
- انشغلنا في قضية الاغنام الجورجية ، واصبحت محور اهتمامنا ، وفاق الحديث عنها الحديث عن قضايانا المحورية ، بل اعتبرها البعض قضيتنا المحورية الاولى . البعض عاش حلم شراء هذه اللحوم بأرخص الاسعار ، والبعض صور الامر باعتباره مؤامرة دولية تشارك فيها عدة دول محلية وكبرى هدفها بيعنا الوهم و تدمير الثروة الحيوانية والقضاء على صناعات منتجات الالبان في الاردن لصالح منتجات الالبان المستوردة ، وكأن الاردن نيوزلندا او هولندا في هذا المجال . وبهدف اضعاف موقفنا الدولي ، ولنهرول للتطبيع كما هرول غيرنا قبلنا . واستيقظنا من هذا الحلم وقد تساقط العسل من الجرة على رؤوسنا ، ولنجد ان ما كان حلماً سيبقى يعيش في خيالنا ، وان صاحب المشروع غير مؤهل للقيام به ، وان اللحوم لم ولن تصل ، وان رخص الاستيراد جيرت لصالح هوامير تجارة اللحوم .
- اثيرت قضية مصنع الجميد في مصر ، والقول بأنه مخلوط بمادة دهان الحوائط . حيث تحدث الكثيرون بهذا الموضوع ونسبوا ملكية المصنع لاشخاص اردنيين معروفين ولهم مصانع مرخصة وشرعية في مصر تصنع هذه المادة وتصدرها للاردن وان منتجات مصنعهم هذا تباع في الاردن بهدف الإساءة لهم ، وتصفية حسابات خاصة معهم ودون انتظار الحقيقة ، والتي اعلنت عنها الهيئة القومية المصرية لسلامة الغذاء بان المواد المصادرة من المصنع لا تحتوي على اي مادة كيماوية مثل طلاء الحوائط وغيرها ، وان مادة الجميد الذي ينتجه المصنع مُصنع من حليب الاغنام والملح ، ولكنه لا يطابق المواصفات المصرية بسبب احتواءه على بعض الاتربة ، كونه يصنع في منطقة مكشوفة معرضة للغبار ، ( مثله مثل الجميد البلدي الاردني ) . واعلنت الهيئة ان انتاج المصنع المذكور لم يصدر الى اي دولة في العالم بما فيها الاردن وانه ليس لاصحاب المصنع الآخر والخاضع للرقابة الغذائية . كم نحن مغرمين بالاساءة لانفسنا ، وافشال الناجحين منا .
- الجميع كان يطالب بالاصلاح وتغيير النهج في تشكيل الحكومات وصولاً للحكومات الحزبية ، وعندما اصبح ذلك مطروحاً من خلال مخرجات اللجنة الملكية للاصلاح ، وقف الكثيرون ضدها ، وقام البعض بالنزول للشارع اعتراضاً عليها . وتم شن حرباً شعواء عليها من خلال وسائل الاعلام وبعض الاحزاب وتيارات المعارضة . وقامت جبهة العمل الاسلامي والتي شاركت في مخرجاتها مع اعضاء كتلة الاصلاح النيابية بفتح جبهة مع الحكومة في مجلس النواب . وقام احدهم بالتهجم على احد الوزراء بطريقة جارحة ، فيما طالب آخر بطرد وزير من تحت القبة فيما كان المجلس يناقش موضوعاً يتعلق بوزارته ، رغم عدم دستورية هذا الطلب وعلم طارحه بذلك . وهدد احدهم الحكومة بالنزول الى الشارع وذلك في محاولة لتبيض صفحتهم امام قواعدهم الحزبية بعدما لاقت مخرجات اللجنة الكثير من الرفض من قبلهم.
- قبل فترة من الوقت كنت من حضور المحاضرة التي تحدث فيها دولة السيد طاهر المصري عن الهوية الاردنية . و قد كانت لي مداخلة في نهاية النقاش قلت فيها ان الهوية الاردنية حددها قانون الجنسية لعام 1924 وعدلها قانون الجنسية لعام 1954 الصادر بعد تحقيق الوحدة بين الضفتين ، وان هذه هي حدود الهوية الاردنية ، وبعدها نقطة وخط اسفل السطر ، والتي عرفها الدستور الاردني بموجب المادة السادسة منه بأن الاردنيين امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات ، وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين ) وتساءلت هنا هل حقاً ان جميع الاردنيون متساوين في ذلك ؟ . وكان التسليم وقبل ان استطرد في الحديث من قبل معالي المشرف على النقاش ( لا انهم ليسوا كذلك ) . ثم قلت ان الهجوم الاساسي على مخرجات لجنة الحوار هو لورود مصطلح الهوية الجامعة في نصها ، وقلت ان اول من استعمل هذا المصطلح هو جلالة الملك المعظم في اوراقه النقاشية والتي طالما تغنينا بها وطالبنا بالالتزام بتنفيذها . ثم كرر جلالته هذه المصطلح في العديد من لقاءاته مع مختلف شرائح الشعب الاردني واجهزته الامنية . وكرر ذلك لدى استقباله لاعضاء لجنة الاصلاح بعد رفع مخرجاتها لجلالته ، حيث اكد جلالته ( على النموذج الديمقراطي الذي نسعى اليه جميعاً ، ويعبر عن ارادة سياسية ومصلحة وطنية بما يبرر (( الهوية الجامعة )) ومسيرة التنمية والتحديث التي تليق بمستقبل الاردن و الاردنيين ) . فهل تختلف الهوية الجامعة التي وردت في مخرجات اللجنة عن الهوية الجامعة التي تحدث عنها جلالة الملك مراراً وتكراراً ؟ . وعند هذه النقطة تم قمعي ولم يسمح لي بتكملة مداخلاتي ، ودون ان يتاح لي ان اقول وهل جلالة الملك عندما تحدث عن الهوية الجامعة كان يهدف الى تحقيق ما تم اتهام اللجنة بانها تريد تحقيقه من وراء هذا المصطلح؟ .
- لقد مضى النصف الاول من مؤية الدولة الاردنية وهي تحمل الهوية الاردنية بنكهة عربية . ثم وما بعد عام 1970 والاحداث المؤسفة التي حصلت خلالها ، اخذت تظهر على السطح بين الحين والآخر شروخاً في الهوية الاردنية وهو امر لا يمكن انكاره . وفيما كنا نحن نقترب من بدايات المؤية الثانية للدولة الاردنية ، فقد طرح جلالة الملك اوراقه النقاشية لتكون منارة لنا في رسم طريق المستقبل وليتم رتق الخرق الذي ظهر في الهوية الاردنية ، و ليعيد جمعها كما كانت في بداية الدولة الاردنية . وهذا ما هدف اليه جلالته من تشكيل لجنة الحوار . وليس اعادة فتح ملف الهوية الاردنية لتضم ما هب ودب من غير الاردنيين ، او لتحقيق الوطن البديل كما ذهب الى ذلك البعض ، وخاصة مع تأكيد جلالته ان لا للوطن البديل ، ولا للتوطين ، ولا للتنازل عن الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في القدس . واصراره على اقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية . مما يجعل المخاوف من ان قرارات لجنة الحوار تهدف لتحقيق الوطن البديل تتهاوى ، وخاصة وانه لا توجد جهة في العالم تطرح هذا الحل الا الكيان الصهيوني . وحتى هذا الكيان يطرح هذا الامر كشعار مرحلي ولخلق صراع ما بين الشعب الاردني وهويته ، والشعب الفلسطيني وهويته ، لانه لا مصلحة له ان تقام دولة فلسطينية على طول حدوده الشرقية ، فما بالكم اذا ضمت هذه الدولة قطاع غزة . صحيح ان هذا الموقف من تعبير الهوية الجامعة نابع من الخوف من فكرة الوطن البديل ، ولكني اخشي ان يكون ذلك لدى البعض بهدف اعادة رسم لهوية الاردنية . والى درجة قد تعيدنا الى هوية ما قبل المؤية الاولى من عمر الدولة الاردنية بمئات السنين.
البنود الثلاث الاخيرة سيكون لي عودة اليها فيما تبقى من مقالتي والتي سوف تصبح مواضيعها اكثر تحديدا وتوسعاً