أسأل كل من اعترض على جملة رئيس الوزراء عن جيوش السواد الذين يجلسون في صالونات النميمة او خلف شاشات الهواتف النقالة والاجهزة الكمبيوترية المحمولة او الثابتة, عن رأيهم اليوم, بعد موجة السواد الخبيثة التي سارت على عجلات وبقيادة فرق مجوقلة؟ في فضاءات الوطن, وبمفردات خادشة وصاعقة لكل قيمنا المجتمعية التي نتغنى بها, ونجعلها لازمة في كل احاديثنا, فماذا بقي من كل هذه الموروثات, وماذا بقي من منظومتنا القيمية, ونحن نرى هذه الهجمة على كل من يحاول الاجتهاد, سواء في الطقس او في السياسة؟ او حتى في طريقة اعداد طبق غذائي, فكل مجتهد تحت القصف.
يتزامن المنخفض القاسي مع مناسبة خاصة لرئيس الورزاء, فنبدأ التنقير والتأليب, ولو اساء الرئيس التقدير ولم يذهب الى التحوط, لما ابقينا له سترا, واجزم ان الدكتور بشر الخصاونة, لم يتخذ قراره الا بعد الاستماع لكل خبراء الطقس, الذي تحسنت قراءاتهم وتوقعاتهم, بشكل يستوجب الشكر والدعم لهم, سواء دائرة الارصاد الجوية التابعة لوزارة النقل, او المواقع المستقلة مثل طقس العرب ومبدعها محمد الشاكر, الذي نجلده ان أخطأ, فالخصاونة ليس استاذا زائرا في الاردن, يستطيع التنظير عن اوجاع البلد’ ويسهب في تشخيص مشكلاته وتحليلها, فهو ابن هذه الارض, ويعرف معنى الثلج والعاصفة, وفق ثقافة المجتمع وامكانيات الاجهزة الخدمية, وماذا يعني " الحنيت" صباحا, وللمستشرقين في بلدنا الحنيت هو الصقيع او الجليد.
حزبيون استعجلوا الاعتراض على سرعة وصول المنخفض رغم انه وصل حسب تقديرات وتوقعات خبراء الطقس, ولم يتكلفوا عناء الاعتذار عن تصريحاتهم ومنشوراتهم التي جلبت لهم في لحظة طيش وطني مئات الاعجابات, للاسف سمعنا منهم كثيرا عن فضيلة الاعتذار عن الخطأ, بل وادانات للحكومة التي لا تعترف بالخطأ, لكنهم امعنوا في الغي, نائب اختلط عليه الامر بين الثلج والمثلجات, فاسرع وكثير من زملائه في استثمار الحالة وبنفس درجة الغي, ووكذلك فعل انصار المستطرف في كل فن مستظرف, وربما يشفع لهم انهم لا يعرفون ان 75% من الاردنيين مثل الطيور رزقهم يوم بيوم, فهرعوا الى الاسواق, كما هرعوا هم ايضا, لكنهم ابتاعوا لزوم ما لا يلزم, عكس المواطن البسيط الذي احتاط بارغفة زيادة, وبعض اشياء بسيطة, تعينهم على حشرة الثلج.
في غمرة الانشغال بالهطول الثلجي وتعليق الدوام الرسمي والخاص, كان هناك هطول سياسي يستثمر في الحالة – ان لم يكن احد ابرز داعميها وصانعيها- واقصد حالة السواد, يعلن تعليق مشاركته في الانتخابات البلدية والمركزية, رغم ان مرشحيه المفترضين ما زالوا يقومون بعملهم, بل واستثمروا المنخفض خير استخدام لعرض خدماتهم, لكن والشكر لاجهزتنا الخدمية والشرطية لم يحتاجهم الناس, مما يعني ان الخطوة فيها الكثير من ثقافة الممانعة والتمنع, فالاسباب الواردة في القرار, هم جزء من صناعتها, والحالة العامة السوداء هم سدنتها, والقراريحتاج الى قراءة اعمق لدلالته وتوقيته المربوط على وتر مفهوم, فالجماعة وحزبها يعيشون لحظة ازمة, وبدل مراجعتها والوقوف على اسبابها يهربون كالعادة الى الامام, ويلقون اللوم على الطرف الآخر.
ثلاثية قاتلة اجتاحتنا خلال ساعات, ويبدو ان فرق السواد ومحترفيه قد الفت ان تتحرك في الساحة وحدها, بعد ان نجحت في ارهاب كل مخالف, واستثمروا في تراجع اصحاب الوعي او تيار الاصلاح الديمقراطي, الذين بات لزاما عليهم ان يستعيدوا نشاطهم وجرأتهم, في نقد المتكاسل والمتحاذق, سواء في القاطع الرسمي او في القاطع الحزبي والمجتمعي, فهذا الوطن لم يعد يحتمل كل هذا السواد او التلكؤ.
Omarkallab@yahoo.com
الرأي