لا يحتاج اي تكوين انساني، الى شهادة منشأ او اذن اعتراف، يحتاج الى مؤمنين واطار جامع، مستندين الى تراث وارث فكري وعائلي ووحدة التراب والهدف..
هل يكفي ما اسلفت الى تقديم فكرة نبيلة مثل "اهل الراية"، الجواب بالقطع لا، فهذه الفكرة ضاربة الجذور في الاعماق، اعماق العروبة بمداها العابر من المحيط الى الخليج والى الفكر الاسلامي بمداه الانساني..
الراية استلهمت فكرتها من راية جعلها النبي العربي الهاشمي, محمد بن عبدالله عليه افضل الصلوات والتسليم، امانة وتكليف، تنتقل من زند مؤمن قوي الى زند قادر ومؤمن، في سابقة غير معهودة، في فقه الحرب عند العرب، وفي نظرية استشرافية ما زلنا نعيش زلزال عدم وعيها.
ببصيرته الفذة، ونبوته الصادقة، رأى هادي البشرية، ان انفتاح الجزيرة العربية على الشام الغالية, مروحة يمتد مداها لتصل الى جبال البرنس واسبانيا، واذا ضاقت هذه المروحة وصلنا الى ما نحن فيه من هوان وانقسام، فكانت مؤتة الفتح والغزوة، سابقة لفتح مكة، على شدة دلالة الرسالة في الحفاظ على مفهوم احترام المواطن، الذي يستدعي تجهيز الجيوش اذا تم الاعتداء عليه من اي قوة غاشمة..
كان المواطن واغتياله وهو رسول يحمل رسالة هداية, ترجمة للغزوة, لكن اصلها وجوهرها, ربط الجزيرة مع الشام, عبر جند الاردن, خير اجناد الارض, فتناقلت الزنود الراية, شهداء وكرارين يحملون سيوف الحق ويقودهم سيف الله المسلول, الذي قضى في الشام ونام نومته الاخيرة في حضن ثراها, على ارض حمص.
بقي حلم الراية الخفاقة يراود اهل الشام, الى ان تحقق الامل, وحملها جند الفتوحات, فعادت الشام الى حاضنتها, وتجلت العروبة مع الاسلمة في ابهى صورها على ضفاف اليرموك, فحمل اهل الشام, او ابناء البر الشامي, او "الشوام" كما يحلو لاي لسان عربي ان ينطقها, فصارت الراية عنوانا, للربط كل عام بين الشام والجزيرة العربية, يجتمع الحجيج الذاهبين الى الله في دمشق, قبل ان يطلق صداح القافلة بوق نفيره, ويرفع زند شامي الراية ايذانا بالذهاب الى الله من كل فجّ عميق, لهذا اختارت باقة من ابناء الشام, المتعمدين بطهر النهر المقدس في ثرى الاردن, المتدثرين بالعباءة الهاشمية التي اطلق امامها وشيخها العروبي رصاصة ثورتها من اجياد القلعة بالقرب من بيت الله العتيق, ان يرفعوا رياتهم مجددا في عمان درة التاج وقلادة العرش الهاشمي المصون بحفظ الله وهمة عبد الله حماه الله.
بهذا الوعي, ومستندين الى هذا الارث والتراث, يعلن اهل الراية, مشروعهم الجمعي, متوكلين على الله, ومؤمنين بانهم قطعة اصيلة من فسيفساء, هذا الوطن المبني على الضم, والمنذور للامة, والفاتح قلبه, لكل من يطرق على ضلوع باب الصدر بيدين محتاجتين, فالراية عنوان جمعي كما اسمها, لا تستهدف أحد, ولا تنازع احد, لكنها فكرة تشقّ طريقها وسط افكار كثيرة, تنثر شذاها على هذه الارض الطهورة, بعد ان اطلق راعي المسيرة العنان لكل فكرة , تؤمن بهذه الارض وطنا, ممدوا على مساحة الفكرة ومسنودا بوعي الجغرافيا, فالراية وارفة الظلال, ورجالها ممن زرعوا ما يمكث في الارض وينفع الناس, فكانوا فرسانا حين احتاج الوطن الى صهيل الخيول ليرعب الاعداء, وتجارا يعينون وصنّاعا يبنون, ولربما كانوا من الاوائل في كل شيء ان لم يكونوا الاوائل فعلا.
هذه عجالة سريعة, تسعى الى تقديم الفكرة, وتقديم نزر يسير من طموحاتها, لكن افعالها واعمالها ورجالاتها, لديهم الكثير لينثروه على كامل مساحة هذا الوطن, فمنهم البدوي والحضري والريفي, فهم على هيئة وطنهم, طيبون بصلابة صخور انباطها, ونبيلون بقداسة كطهر نهرها المقدس, وعسى ان يكون في هذه العجالة ما حين يغري بالمتابعة والمعاونة, والله من وراء القصد.