زمان.. كنا نرقب موعداً لبرنامج إذاعي كان عنوانه «فيروزيات».
كنا نعتبر الموعد «لقاءً» خاصّا لنا وبنا.
كنا في مرحلة الصبا ومستهل الشباب.
وجدنا أنفسنا نحب «فيروز« وكل يتعلق بصوتها الملائكي. حتى اننا صرنا في مرحلة لاحقة، نشترط فيمن تكون »فتاة أحلامنا« أن تحب فيروز، والا فإن حبنا سيكون «ناقصاً. ونفتعل متاعب تافهة، لكي نهرب من تلك العلاقة «غير الفيروزية».
وكان كثيرون يطلقون علينا «المراهقون الصغار». فسلوكنا يوحي بالفوضى والمغامرة والاندفاع، لكننا في لحظات معينة وما يحين موعد «فيروز«، حتى نتحول الى «كائنات ناعمة ورقيقة وحنونة».
وأذكر كانت تسكن في حارتنا فتاة صغيرة ـ في الصف اول إعدادي ب ـ كان اسمها «جُلنار». وبالطبع كان لدينا فضول لنعرف إن كان أبوها أسماها كذلك بسبب أُغنية فيروز «جلنار». لكن وجه الرجل العبوس لم يكن يمكننا من الاقتراب منه. وكنا نستغرب ان يكون رجلا «فيروزيا« وملامحه.. قاسية.
وكنا نردّد:
«ووعْيت الشمس وزقزق العصفور وما إجت جلنار«.
ليش ما إجت؟
ومرت سنوات وتعرفنا على آباء أطلقوا على بناتهم أسماء من وحي إعجابهم بصوت فيروز مثل «يارا». وكنا نتخيلها كما الاغنية «يارا الجدايلها شُقُر. وللأسف ان ال «يارا ..ت « اللواتي عرفناهن (لسوء حظنا) لم تكن واحدة منهن ب «جدايل شُقُر». بل بشعر أكرَت.. كنْفوش.
وحين كانت علاقتنا بمن نُحب تنتهي كنا نتذكّر اغنية فيروز:
«لو كان قلبي معي ما أخترت غيركم/ و لا رضيت سواكم في الهوى بدلا«
وكان في حارتنا فتاة كان أجمل ما فيها «عيونها». وبحكم ثقافتنا « الفيروزية « كانت المقارنة باغنيات فيروز. وكنا نغني لها كلما رأيناها ذاهبة الى المدرسة الاعدادية :
« كل السيوف قواطع إنْ جُرّدت/ و حسام لحظك قاطع في غِمده
إن جئت تقتلني فأنت مُحكّم/ من ذا يطالب سيّدا في عَبدِه ؟.
طبعا لم نكُ نُدرك معنى كلمات الاغنية، لكنا كنا نحفظها عن ظهر قلب.
كنا « صغارا»، نملك مشاعر صادقة وأرواحا بريئة. كنا نكتفي بالقليل من الطعام وبكتاب نخبئه تحت وسادتنا ونسهر على ضوء القنديل.
او كما تقول عنا فيروز:
« كانوا زغار و عمرهن بعدو طري
و لا من عرف بهمن و لا من دِري».
يا ريتنا بقينا « زغار».. وما كبرنا
يا ريت!!.