أكدت الأردن والسعودية أول من أمس التزامهما مبادرة السلام العربية المستهدِفة إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين. وهذا موقف يعكس إجماع السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية الذي أعيد تأكيده في قمة الرياض آذار (مارس) الماضي. وينسجم هذا الموقف مع قرارات الشرعية الدولية وسياسات معظم الدول المعنية بالصراع في الشرق الأوسط. لكن رغم استعداد الفلسطينيين والعرب لتلبية الشروط التي أجمع العالم على أنها متطلب تحقيق السلام في المنطقة، لا تقدّم في الجهود المبذولة لإعادة إحياء العملية السياسية. ولا سبب لذلك إلا رفض إسرائيل اتخاذ الخطوات الكفيلة بإنهاء الصراع في المنطقة. إسرائيل لا تريد سلاماً يحظى بقبول أطراف الصراع. تريد حلاً يحقق شروطها وأطماعها.
الحقائق تثبت أن إسرائيل تتحدث عن رغبتها في السلام لكنها تفعل كل ما يمكن أن يعيق تحقيقه. فالمسيرة السلمية لم تتوقف بعد وصول حماس للسلطة في كانون الثاني من العام 2006. حماس وصلت إلى السلطة لأن الفلسطينيين فقدوا الثقة بالعملية السلمية وإمكانية تقدمها نحو تلبية حقوقهم. وحكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأكثر من عام قبل أن تفوز حماس بالانتخابات التشريعية. لكن إسرائيل همّشته وأحرجته وظلت على تعنتها ورفضها لاتخاذ أي خطوة توحي بأن السلام هدف يمكن تحقيقه.
ولم تقدم إسرائيل أي مبادرة إيجابية بعد تولي حماس السلطة. وثمة مبررات عديدة للاستنتاج بأن ما حصل في غزة من انقسام فلسطيني ينسجم مع الأهداف التي أرادتها إسرائيل حين انسحبت أحادياً من القطاع. إسرائيل أرادت أن يفشل الفلسطينيون في غزة حتى تقول للعالم إن قيام دولة فلسطينية خطر عليها وعلى العالم.
وفعلت إسرائيل كل ما استطاعت لإفشال التجربة الفلسطينية في غزة. وليس من المستبعد أيضاً أن إسرائيل خلقت ظروف الصراع التي أدت إلى سيطرة حماس على غزة. ومن الممكن أنها سهّلت بشكل مباشر حدوث الاحتراب الداخلي الفلسطيني، من خلال غض الطرف عن تدفق السلاح إلى غزة وعبر اتخاذ إجراءات أحالت غزة أرضاً خصبة للصراع والاقتتال.
ما حدث في غزة لم يكن وليد لحظته. كانت له مقدمات ودفعت نحوه جهات ورافقته استعدادات لا يعقل أنها تمت من دون ملاحظة إسرائيل التي لا تغفل عينها عن أي شيء يجري في غزة والضفة الغربية.
الآن تتشدق إسرائيل أنها تدعم محمود عباس. الدعم الذي تقدمه سيؤدي إلى إضعاف عباس لأنه دعم لن يُفضي إلى النتائج التي يريدها الفلسطينيون. فلو كانت إسرائيل تؤيد فعلياً ما يمثله عباس من تبنّ لمشروع السلام لساعدته من خلال دعم مشروعه السلمي الذي يستحقه الفلسطينيون ويحتاجه شعبها الذي لن ينعم بالأمن ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم.
بيد أن إسرائيل ما تزال تقاوم مشروع الدولة الفلسطينية، وتستثمر الوقت لقتل فرص إنضاجه. تفعل ذلك عبر تغيير الحقائق على الأرض، ومن خلال زيادة معاناة الفلسطينيين وتغذية الانقسام. وتسعى كذلك إلى إحباط مشروع الدولة من خلال الدفع نحو خيارات أخرى مثل إقامة كونفدرالية أردنية-فلسطينية.
إسرائيل هي التي تحول دون الشرق الأوسط وحقه في الأمن والسلام والاستقرار. هي التي تتآمر ضد مشروع الدولة بكل الوسائل. وبالمنظور الشمولي، فإن ما حدث في غزة مؤامرة على الشعب الفلسطيني. إسرائيل مستفيدة من هذه المؤامرة. ولا شيء يثبت أنها لم تكن طرفاً في الإعداد لها. لكن سواء شاركت إسرائيل في الإعداد لهذه المؤامرة أم أن دورها انحصر في تسهيل تنفيذها، فهي المستفيد الأكبر منها. وهي التي لم تفعل شيئاً يساعد على حل الصراع، ويؤدي، حتماً، إلى نزع فتيل التوتر وتقوية الطرح السلمي.