كلما تم الإعلان عن منخفض ثلجي، تنوعت ردود الفعل، لكن اللافت للانتباه، أن كثرة تعلن جهارا نهارا أنها لا تريد الثلج، ولا البرد، ولا المطر، وتنحاز إلى فصل الصيف بكل ما يعنيه ذلك.
لكن القصة تعبر في الأصل عن أزمة اقتصادية اجتماعية، لأن أغلب الذين يتذمرون من البرد والثلج والمطر، يبررون ذلك بأن الدنيا تغيرت، فالوقود مرتفع، وفواتير الكهرباء مرتفعة، والتدفئة باتت مكلفة، ولم تعد الحياة ميسرة، فوق مشاكل البنى التحتية، واحتمالات تعطل الكهرباء، أو إغلاق الطرق، بما يعني هنا أن التذمر ليس رفضا لنعم الله، بل لأن الطقس بات مرهقا اقتصاديا.
حين تتمنى الثلج والمطر، يخرج من يقول لك إنك تتناسى الفقراء الذين لا يجدون قمحاً في معاجنهم، وهؤلاء ليس لهم القدرة على تدفئة بيوتهم، وأغلبهم يعمل باليومية، وسقوط الثلج يعني تعطل أعمالهم، وحرمانهم من الرزق ليوم أو يومين، وهكذا تصير النظرة إلى الشتاء مختلفة.
هذا جانب جديد في حياتنا، إذ كنا سابقا نحتفي كثيرا بمواسم الشتاء الثلجية والمطرية، لكن الحياة تغيرت، وبرغم أن الكل يعرف أن المياه قليلة، وأن ندرة سقوط المطر والثلج، تعني أن موسم الصيف المقبل سيكون صعبا على صعيد مياه الشرب، ومخزون السدود، وستنقص المياه المحددة للزراعة، إلا أن كل إنسان يقرأ المشهد من زاوية اللحظة فقط، فالفقير عليه نفقات أكبر من إمكاناته، ولا يفكر في الصيف المقبل، بقدر إمكاناته وعجزه عن تمويل الدفء في بيته.
هذا يفرض على الحكومات من جهة ثانية أن تخرج ببرامج جديدة لمواسم الشتاء المقبل، تجعل الحصول على الوقود للتدفئة، أمرا ممكنا، ولو لصنف واحد من الوقود، إذ هناك حالة فقر، كما أن أولئك الذين يعملون بدخول جيدة، لا تكفي دخولهم لكل نفقاتهم، ويزيد عليهم برد الشتاء، هذه النفقات، إذا استخدموا الكهرباء للتدفئة، أو الغاز، أو بقية أنواع الوقود، خصوصا، ان الكل يعرف ان البرد الشديد لا يمكن التخفيف منه، في كل المنزل، وتجد عائلات كاملة تتجمع حول مدفأة واحدة، اذا توفرت اساسا، وتوفر وقودها، وهذا امر مؤلم، أوصل الناس الى مرحلة كره النعمة والشعور بالضيق كلما سمعوا عن موجة برد، او منخفض ثلجي قادم على الطريق.
مخصصات الفقراء التي يحصلون عليها من التنمية الاجتماعية، او حتى الجمعيات الخيرية لا تكفي أبدا، فهي ربما لا تدفع إيجار شقة صغيرة، أو غرفة، في حالات كثيرة، فمن أين سيأتي الفقراء في الأردن، بكلف التدفئة؟ خصوصا، أن كل عام لدينا مواسم متتالية من الشتاء وبرده، وصولا إلى رمضان والأعياد ودخول المدارس وغير ذلك من قصص نعيشها طوال العام.
من ناحية ثانية دعونا نتحدث بصراحة، فحالة الضيق الاقتصادي التي يشعر بها الناس، يجب ألا تدفعنا نحو خانة الكراهية لخير الله، أو التذمر، وحين ترى الملايين يتضايقون من الثلج، مثلا، أو المطر، تشعر أن كل هؤلاء يقولون لا نريد هذا الخير، ويردونه بقلوبهم، بدلا من حمد الله على نعمه، وهذا المجتمع كان سابقا أكثر فقرا، من هذه الأيام، وكان أيضا أكثر ثلجا ومطرا، وأهله أكثر قبولا لنعم الله، برغم كل ظروفهم، التي لا يمكن اعتبارها بكل أحوالها أفضل من اليوم.
الفجوة الاقتصادية والاجتماعية تتسع دوما، وضحايا هذه الطبقية باتوا في كل مكان، وإذا كان الذي يعلق أو يكتب، ينعم بالدفء، إلا أن هناك مقابله من هو محروم من كل شيء، بما يجعلنا ندعو ونحض على التنبه إلى معاناة الناس، وهي معاناة أوصلت كثرة منهم، إلى العبوس في وجه رزق الله ونعمه، لأن إمكاناتهم قليلة، وكل شيء يرتفع سعره، فلا يعرف الإنسان كيف يغطي التزاماته، التي يواجهها كل يوم، وهذا حال كثرة داخل عمان، وفي القرى والبوادي والمخيمات، حيث التغيرات الاجتماعية المتسارعة، والتي لها كلفة سياسية، أيضا، حتى لو لم تظهر علنا.
الحكومات مطالبة بتغيير كلفة وقود الشتاء، عند كل شتاء، ولو لصنف واحد، ونحن علينا واجب كأفراد ومجموعات ومؤسسات أن نطلق مبادرات لرعاية الناس، خلال موسم الشتاء، حتى لا يجتمع على الناس، الفقر والحرمان والبرد وقلة الدواء، وغير ذلك من قصص نراها يوميا.
(الغد)