الأردن وصداع الحدود السورية
د. محمد أبو رمان
23-01-2022 12:54 PM
كان لافتاً حجم التسخين والغضب في أوساط شعبية بعد الأنباء التي تحدّثت عن استشهاد ضابط أردني وإصابة ثلاثة آخرين، قبل قرابة أسبوع، على الحدود الأردنية - السورية، جرّاء اشتباكهم مع مجموعات من مهرّبي المخدّرات، لتصدر بعد ذلك تصريحات مهمة عن رئيس هيئة الأركان الأردنية، اللواء يوسف الحنيطي، عن تغيير قواعد الاشتباك في المناطق الحدودية، بما يضمن الاستقرار. وقد فسّر مسؤول رفيع هذا التصريح (في جلسة خاصة معه) بإمكانية القيام بعمليات استباقية ورصد الأهداف قبل الوصول إلى الحدود وإجراء اللازم، طالما أنّ الاتصالات الأمنية والعسكرية الرسمية لم تؤدّ إلى نتيجة!
تتعدّى المسألة استشهاد ضابط وإصابة آخرين، فالتقارير الواردة من الحدود الشمالية والمعزّزة بالتأكيدات الدولية أنّ سورية، التي كان يمثل الوضع الأمني والعسكري فيها تهديداً أمنياً وعسكرياً للأردن، منذ 2011، بخاصة المناطق الجنوبية المحاذية للحدود الشمالية الأردنية، أصبحت تمثّل اليوم تهديداً من نوع مختلف، وخطير، يتمثل بتجارة المخدّرات، إذ تفيد تقارير دولية بأنّ دخل سورية من هذه التجارة ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وأصبحت تنافس أفغانستان عالمياً.
المعضلة، كما يحدّثني المسؤول الأردني، أنّ الوضع السوري معقد، وعلى الأغلب، تتمتع مثل هذه التجارة بدعم من قوى داخل النظام السوري ومن مليشيات إيرانية في الجنوب، وهي أشبه بالمافيات، داخل أطر الدولة السورية وخارجها، فهي رسمية وغير رسمية في الآن نفسه، ويصعب الوصول إلى الطرف الرسمي المعني بها، ما يعني أننا أمام صداع حقيقي في هذه المنطقة.
وعلى الرغم من أنّ الجيش السوري تمكّن من السيطرة على أغلب المناطق الجنوبية، إلّا أنّ الوضع في بعضها ما زال غير مستقر، بخاصة في درعا البلد، وهنالك تفاوض يسير، في بعض اتجاهاته، إلى مصير مقلق يتمثل بالترحيل الجماعي الاختياري لنسبة كبيرة من سكان درعا، ممن وصفوا برافضي التسوية هناك، مع وجود تقارير أخرى تؤكد أنّ هنالك عمليات تهجير في المحافظة اختيارية وإجبارية، ما يعني أن تغييراً ديمغرافياً محتملاً قد يقع في تلك المناطق الجنوبية ويعيد تشكيل معادلة الحدود الأردنية، بعد أن كان الأردن يعتمد، بصورة كبيرة، خلال الأزمة السورية على علاقته بالعشائر في المناطق الجنوبية والشرقية (ما أطلق عليه استراتيجية الوسادات؛ أي احتواء الخطر قبل أن يصل إلى الحدود الأردنية من خلال شركاء يدعمهم الأردن)، فإنّ مثل هذه التحوّلات تنذر أنّنا أمام تطور مقلق سيتسمر (إن لم يستقر) خلال الأعوام المقبلة، وتمثّل قضية المخدّرات جزءاً رئيساً من استحقاقاته المتوقعة!
معروفٌ أنّ الأردن اتخذ مقاربة براغماتية تجاه المناطق الجنوبية، فهو لم يتورّط عسكرياً ولم يفتح الحدود خلال فترة الأزمة السورية، واكتفى بإقامة علاقاتٍ وشراكاتٍ استراتيجيةٍ مع قوى عسكرية، ذات طابع عشائري، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو أي خطر يقترب من الحدود الشمالية، لكنه عاد بعد ذلك، ومع تغير موازين القوى، لتعديل استراتيجيته والتخلي عن دعمه فصائل عسكرية أهلية، والتوجّه إلى الاتفاق مع الروس على ضمانة تأمين الحدود الشمالية، الأمر الذي ارتبط أيضاً بانقلاب المقاربة العالمية والإقليمية تجاه سورية، وتدرّج الولايات المتحدة بالانسحاب ورفع يدها عن الملف السوري وإغلاق غرفة العمليات التي كانت في الأردن، ومعنية بما يحدث على الأراضي السورية.
يواجه الأردن، الآن، الخطر الجديد والتحوّلات المزعجة من دون أن تكون هنالك دعامات، كما كانت الحال سابقاً، وبعدما حاول الأردن التقارب مع النظام السوري وإعادة تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية. لكن، من الواضح أنّ الوضع السوري أكثر تعقيداً، وتدخل فيه اعتبارات إقليمية وأدوار متعدّدة. وداخل النظام السوري المسألة أكثر صعوبة من تحجيمها بالعلاقات الرسمية ذات الطابع الودّي!
أصبح من الضروري، إذاً، إعادة التفكير، بصورة مختلفة واستراتيجية، ورسم السيناريوهات والخيارات المتوقعة والمحتملة، في ضوء التطورات والتحولات التي تجري على الحدود الشمالية، وهي مسألة تمسّ الأمن القومي الأردني والمصالح الحيوية والأمنية في الصميم.
العربي الجديد