لا أعرف لماذا أنا متشائم من الأحزاب، ومستقبل العمل الحزبي. لا أعرف، لأن الصورة النمطية التي سادت ونامت في عقلي منذ نشأت، أن الأحزاب سبب خراب وفتنة وقلاقل، على الأقل في الأردن وما حولها، أنا بالطبع لا أتحدث عن حزب كحزب المحافظين أو العمال، ولا عن الديمقراطي والجمهوري، ولكن عن أحزاب عقائدية وآيدولوجية، وعن أحزاب تحمل أيضاَ - وليس بالضرورة - أجندات خارجية.
وحتى يكون الحديث "على المكشوف، فقد فشل حزب مثل حزب التحرير فشلاً ذريعاً على الساحة الأردنية، وفشل في المقابل الحزب الشيوعي، وفين حين مات لينين، وستالين، وبريجينيف، وخروتشوف، ومالينكوف، وأندروبوف، وتروتسكي، وغروميكو، وتشيرنينكو، وحل أندروبوف الاتحاد السوفييتي، فانهارت دوله كلعبة الليغو، إلا أن بيننا حتى اليوم من يؤمن بالشيوعية كحل للمعضلات السياسية والاقتصادية، وعلى الرغم من انهيار العراق وسوريا - وأنا أعتقد جازماً أنه أصابهما العطب - إلا أن بيننا الكثير من أولئك الذين ما زالوا يعتقدون بضرورة حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي النهاية، لا الناصري، ولا القومي، ولا غيره من الأحزاب يلزم الأردن من تلك التي تستند إلى العقيدة والآيدولوجيا.
الأحزاب المطلوبة هي التي تقوم على المعرفة، والعلم، والفكر المستنير، والتي تمتلك رؤية ناضجة ومسؤولة للوطن ومستقبله، سياسياً لا مانع، ولكن الأهم اقتصادياً واجتماعياً. ما نحتاج إليه ونحن نتجه للأحزاب، أجندات وبرامج ومشاريع نهضة، وأن تكون الأحزاب في الأول كما في الآخر، "أحزاب وطن"، بمعنى أن تخرج من رحم الوطن، أفكارها وطنية، وبرامجها وطنية، ورجالاتها أبناء وطن، بمعنى من تمتلك معاني الوفاء للوطن، أحزاب وحدوية داخل الوطن الواحد، لا فئوية ولا جهوية، و"مش ناقصنا نهرب من الدلف، ونوقع تحت المزراب".
والأمر الآخر الذي يحضرني، هو أولئك الذين يمكن أن يمتطوا الأحزاب وسيلة للقبة، بعد أن أكل الدهر وشرب، وبعد أن فقدوا الضوء أو فقدوا الأمل في الوصول إلى نقطة الضوء، ليس الضوء للوطن، وإنما الضوء الذين يريدون الوصول إليه لأغراضهم الشخصية، وعلى حساب مصالح الوطن.
الفترة القادمة ستثبت إلى أي مدى نجحنا في التقدم خطوة بالعمل النيابي استناداً إلى الحزبية، وقد كنت أتمنى أن تقصر الفترة من عشر سنوات إلى خمس سنوات مثلاً، وأخشى أن أعود إلى التمني لتكون عشرين عاماً لا أقل، وإلى أن تختفي مخاوفي، سأواصل وضع يدي على قلبي.