البيئة والتنمية المستدامة
د. أميرة يوسف ظاهر
20-01-2022 07:49 PM
في الوقت الذي يتوجه فيه العالم برمته نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي بدأت تتصدر الأولويات، مستجمعا طاقاته وإمكانياته لمواجهة المخاطر البيئية والقضاء على كافة أشكال التلوث، بعد أن غدا الخطر يهاجم حياة البشرية من خلال الطعام الذي نأكله والماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه؛ مازالت الأيدي التي تنهش المجتمع الأردني تستبدل بالزيت كأس الماء، فقد أخذ الكثيرون يبحثون عن الفائدة الشخصية التي وللأسف لا تنسجم والمصلحة العامة، ويتصدر هؤلاء المشهد ويتسيدون مواطن صنع القرار، ويكون الوطن هو الضحية بالضعفاء والمستضعفين، أما الذين عفت أنفسهم فعف فعلهم فمنهم من يبحث عن فتات الطعام الفاسد في أرجاء متناثرة في هذا الكوكب، وها هي أجراس الفقر تقرع في بقاعه، بينما تتكدس البضاعة الكاسدة التي تشكل خطرا صحيا وبيئيا، وتنبئ بالتضخم المنتظر.
ولعل مبادرة إمام المسجد الذي طلب من المصلين بأن يأتي كل واحد منهم بكأس زيت من مونة بيته، ويودعها جرة الزيت في المسجد ليلا، حتى لا تعرف يساره ما أودعت يمينه، حينها فكر كلهم بذات الطريقة: لن يدري أحدا ماذا وضعت؟ فليكن كأسي ماء؛ ولن يؤثر على ما سيتم وضعه من زيت، وكذلك تصنع مؤسساتنا ومسؤولينا، وجاء الخطيب فجرا ليجد الجرة قد ملئت ماء عوضا عن الزيت، وطالما أن هناك من يشرعن الفساد بدواعي الفائدة، ودواعي إنسياب السوق، ودواعي المواطنة، فهناك ما يتم تسهيله بالواسطة والمحسوبية للبعض، بدواعي صدق ولائهم، وكله على حساب الجود في المال المستثمر والوظيفة التي صارت عبئا بيئيا في بعض الحالات.
ولعل هذا يأتي في باب الفساد الذي يفضي لفساد في كل شيء حتى البيئة فقد كان على صانع القرار أن يحسب لكل شيء حسابه، وقد صار في وسع الكثيرين من القطاعين العام والخاص أن يقوموا بوضع الأشياء في نصابها، ووجب دعم تلك المصانع التي أضحت تنتشر مثل مصانع التدوير، وشركات معامل تدوير مخلفات المناطق الصناعية، وهذا مدعاة ليس للإعجاب وحسب، بل والدعم المادي والمعنوي، وما أحوجنا أن نوجه فئة الشباب لمشاريع في مجال البيئة ونشرع التسهيلات لهم، فلدينا مساحات واسعة لاستثمارها ذات مناخ وبيئة مناسبتين، ويجب توفير الدعم للذين يضعون نصب أعينهم المحافظة على نظافة المنشآت والأماكن السكنية، ودعم الأيدي العاملة بما يسهم في محافظتنا على البيئة ويقلص البطالة والفقر.
صار بوسعنا رفع القبعات لكل من يتوجه نحو الاستدامة مستثنين المعاول التي تهد ولا تبني، فهناك توجهات تعمل على التنمية والإصلاح في الدولة، غير التي تأتي بكؤوس الماء، فها هي شركة الكهرباء وتابعاتها تصب كأس رفع التعرفة عوضا عن التوجه لحل مشكلاتها من خلال الاستثمار في توليد الطاقة من خلال الألواح التي يمكن زراعتها في الصحراء الواسعة المترامية في الأردن التي تشكل مساحات شاسعة، فبدلا من الاستثمار في الطاقة النظيفة البديلة، يتم اللجوء لجيوب الأفراد والشركات كالمعتاد مما أنهك المجتمع، وأيضا لا زلنا نراوح مكانك سر في طاقة الرياح إذ تم وضع مراوح في أماكن مرتفعة ساهمت في توليد طاقة كهربائية في الكثير من المناطق، ولكنها لم تضف فرقا يلمسه الوطن والمواطن.
ومازلنا بدور سلبي كبير في رفع حرارة الأرض، فالمصانع في الأردن ليست بالحجم الكبير ما يقارن في دول كبيرة كالصين والولايات المتحدة، ولكننا أمام تحديات أخرى تتعلق في إتجاهات واقعية تتعلق في إعادة النظر لحاكورة المنزل وتشجيعها في مستويات الحكم المحلي، وأيضا على الدولة أن تشجع المزارع الحديثة وهو ما تقوم به وزارة الزراعة حاليا ويلقى دعما من رأس الدولة، وفي هذا السياق على وزارة البيئة أن تعتبر الزراعة التقليدية جزءا من إستراتيجية، لأجل النهوض بالاقتصاد الوطني وللقيام بما يمكن أن يكون عاملا للإرتقاء ببيئة نظيفة ونقية.