نحو دولة أردنية جديدة .. لكل مواطنيها
محمد مناور العبادي
20-01-2022 01:46 PM
بعد ان تمكن الأردن من تكريس ثقة المجتمع الدولي به كدولة محورية في المنطقة، كان لابد ان يرافق ذلك احداث تغيير نوعي في منظومة الحكومة، سياسيا واقتصاديا واداريا، مما يستدعي تمكين الجيل الجديد، من كل المنابت والأصول، ليقود المسيرة التي ابتداها اجدادنا قبل نحو قرن من الزمان، ليبقى الأردن آمنا مستقرا مزدهرا وانموذجا يحتذى في منظومته السياسية وكل ما يمكن ان ينبثق عنها من قوانين وأنظمة وبرامج.
لقد تمكن الأردن مؤخرا من تحقيق مكتسبات غير مسبوقة في المجال الخارجي، عربيا وإقليميا ودوليا، ونجح بتميز في استقطاب الدعم العربي والاممي سياسيا واقتصاديا، من خلال تحالفات عربية واقليمية ودولية، كرست ثقة العالم بالأردن والاردنيين على حد سواء، وبان الدولة الأردنية قادرة على تغيير "جلدها" وعصرنة الأسس التي قامت عليها، لتصبح في المئوية الثانية، أكثر قوة وازدهارا وتماسكا وتأثيرا إيجابيا في محيطها الإقليمي.
لم يكن ذلك ليتحقق، لولا ثقة المجتمع الدولي ومنظماته السياسية والمالية بمستقبل الدولة الأردنية، والتي اثبتت خلال العقود الماضية قدرتها على تحقيق توفير الأمن والاستقرار والازدهار لمواطنيها، رغم وقوعها في منطقة ملتهبة دامية، عجزت كل قوى الأرض عن وقف الصراع الدموي فيها، والذي ابتدأ منذ نصف قرن في فلسطين، وعقدين من الزمن في العراق، وعقد كامل في سوريا، وما زالت شعوب هذه الدول تدفع الثمن من دماء مواطنيها بعد انهيارها سياسيا واقتصاديا.
وحين شعرت الدولة الأردنية أن صورتها الخارجية أصبحت اكثر اشراقا، وان ثقة العالم به لم تعد مجال مناقشة، رأت أن لا بد أن ينعكس ذلك على الداخل الأردني، لتكتمل صورة الأردن والاردنيين، وتصبح اكثر اشراقا وحداثة داخليا وخارجيا.
من هنا جاءت التعديلات الدستورية الأخيرة، وما سيتبعها من إعادة هيكلة الدولة الأردنية، سياسيا وإداريا واقتصاديا، لتصليب الجبهة الداخلية، حتى لا يبقى الأردن على "الحافة" كما كان يقال دائما، بل ليكون صخرة صلبة تتحطم عليها كل التحديات الجديدة، التي يمكن ان تواجهه في المئوية الثانية للدولة تماما كما تغلب على كل تحديات المئوية الأولى، ولكن بأسلحة مختلفة، لان لكل مرحلة خصوصيتها واساليبها القتالية السلمية.
ومما يجعل من الحراك الرسمي الأردني الداخلي انموذجا يحتذى للاخرين، انه لم يكن بقرار حكومي، بل ان لجنة شعبية شكلها الملك- تضم ممثلين عن جميع التوجهات السياسية، بما فيها المعارضة، حتى العبثية منها - اعدت التعديلات السياسية، وقدمتها للبرلمان الأردني والحكومة لاقرارها، كما شكلت الدولة الأردنية لجانا مشتركة تضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، لتطوير وتنمية القطاعات الاقتصادية والإدارية في المملكة، بهدف اعداد مشاريع برامج وخطط يقرها لاحقا البرلمان الأردني والحكومة، قبل ان تصبح سارية المفعول، مما يعطي زخما شعبيا للتحرك الرسمي الأردني
ويأتي التحرك الرسمي الداخلية استكمالا للتحرك العربي والإقليمي والدولي، والذي يندرج في مضامينه، تحت راية "الشراكة" التي يرى صانع القرار الأردني انها هي الحل الوحيد داخليا، كما هي الحل خارجيا، لتصليب قواعد الدولة الأردنية، في المئوية الثانية، لبناء الاردن الجديد لكل مواطنيه.
ورغم هذا الجهد الجمعي الوطني الأردني غير المسبوق، - رسميا وشعبيا - الا ان بعض "رجالات الدولة"، والأحزاب المتطرفة، وأصحاب المصالح الشخصية، آثروا مصالحهم الشخصية على الوطن، واعلنوا حربا شرسة على النهج التحديثي الوطني الأردني الجديد، لانهم راوا فيه، انه بداية انهيار نفوذهم وهيمنتهم على القرار السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي في المئوية الأولى للدولة الأردنية، وتيقنوا ان الوطن لن يكون "مزرعة" لهم، بل سيكون الأردن لكل مواطنيه من كل المنابت والأصول.
والغريب ان قوى الشد العكسي التي تعارض النهج الوطني الجديد، تستهتر تماما بذاكرة الأردنيين، ومخزونها المعرفي عن بعضهم، ممن ارتقوا سياسيا وماليا، على حساب عذابات الأردنيين، متناسين ان الزمن تغير، وان شباب الأردن الجدد، مصممون على ان يكون لهم دور فاعل وفعال في المرحلة السياسية الجديدة، خاصة انهم والطبقة الوسطى، اول من دفع ثمن الفساد، الذي تجهد مؤسسات الدولة الرسمية حاليا للقضاء عليه.
الدولة الأردنية الجديدة الرائدة.. قادمة وبقوة، وبدعم شعبي واقليمي ودولي، وسيفشل المشككون والديناصورات ممن اثروا على حساب عذابات الأردنيين، في خططهم لعرقلة مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، والتي تعتبر وفق المعايير والمقاييس الدولية المعاصرة، هي الحل، والطريق الوحيد لبناء الأردن الجديد لكل مواطنيه..
* صحفي وباحث