الفساد المنظم والقطاع العام والمستوى الوطني
د. عبدالله حسين العزام
19-01-2022 12:27 AM
من المؤكد أن العامل الوحيد الأكبر في تحديد شرعية الحكومات والمؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة أو غير هادفة للربح هو مقدار الرضا النفسي للمواطنين بهم في تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات العامة.
الفساد، يقوض الرضا النفسي من ناحية والثقة من ناحية أخرى، فهو لا يقوض الديمقراطية وسيادة القانون فحسب، بل إنه يفسد الاقتصادات الرسمية وحياة الأفراد، ويؤثر على سير الحياة العامة كما يشجع في الوقت نفسه على الجريمة والاقتصاد غير المشروع.
الفساد المنظم من أخطر أنواع الفساد كونه يؤثر على الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي، ويحول التمويل والاستثمار عن الناس والمناطق التي هي في أمس الحاجة إليه. لذلك فهو يؤثر بشكل مباشر على استقرار وأمن وتنمية المجتمعات والدول بالدرجة الأولى ويقود إلى حالة الإحباط العام.
الفساد المنظم مرتبط في القطاع العام من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى كما هو مرتبط بأنشطة دولية عابرة للحدود وغير قانونية أخرى، مثل تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، من هنا يجب تنفيذ نهج شامل ومتعدد الأبعاد يربط بين البلدان والقطاعات والجهات الفاعلة لمنع الفساد وتعطيله على جميع المستويات والأشخاص وفي جميع الأشكال.
ولعل محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي يستدعي بالضرورة توافر ثلاثة شروط هي 1- الشفافية في عمل الدولة ومؤسساتها. 2- الحكم الرشيد، ويعني الحكمة في استخدام الموارد وحسن اختيار السياسات الاقتصادية. 3- المساءلة القانونية للقائمين على إدارة شؤون مؤسسات الدولة، والمحاسبة الصارمة لمرتكبي الفساد.
ولعل التوعية السياسية بإشاعة مناخ ثقافي ناقد يحترم الرأي والرأي الآخر، يمكن له أن يحد من الانخراط في الممارسات الفاسدة، ولا بد من توظيف وسائل الاتصال الجماهيري والإعلام الرقمي، كافة لا سيما التركيز على إعلاء القيم المجتمعية من نزاهة وإيثار وتضحية ونكران للذات، والتمسك بالخصال الحميدة المتأصلة في المجتمع من أمانة وحس بالمسؤولية الفردية والجماعية.
على المستوى الوطني أرى أن المنبع الأساسي للفساد الفج القبيح، تكمن من ناحيتين الأول نظرية شبكة العائلة التي تعني اختيار أشخاص في مناصب عدة ومناطق مختلفة يدعم كل منهم الآخر ويساند بعضهم بعضًا بعيدًا عن الصالح العام ومصلحة النظام السياسي.
الناحية الثانية الإدارات الوسطى الضعيفة، كونها إدارات ذات مساحات حركة خارج إطار الرقابة بسبب بعدها عن العمليات التنفيذيّة المباشرة من جهة وبعدها عن الرقابة الإداريّة المفروضة على الإدارات العليا، وتسبب تأخّر التطوير المؤسسي وتمنع تحقيق النجاح كونها تخشى دخول أي عنصر متميّز على المنظمة، لأنه سيؤدّي مباشرة إلى تعرية ضعفها وكشف جهلها وتحجيم سلطاتها، لذلك ترى الإدارات الوسطى تحديدًا الضعيفة هي أكثر محاربي التحديث ومانعي التغيير ورافضي الأفكار والأشخاص الجدد، طبعًا عند الكلام عن الإدارة العليا فمن المفروض أن تكون أكثر تساهلًا وتقبلًا للتطوير، ذلك أنها لا تخشى من أحد التأثير عليها!!!
من المؤكد أن مكافحة الفساد المنظم في القطاع العام والخاص مصلحة وطنية تتطلب من الجهات الرقابية تعزيز مفاهيم المساءلة والمكاشفة و الرقابة على المال العام وميزانيات المؤسسات الصغيرة قبل الكبيرة و التي أصبحت بفعل الفساد المنظم تذهب إلى المعارف والمحاسيب وأفراد العائلة بدلا من أن تذهب لمستحقيها من أبناء المجتمع في كافة المناطق.
أخيراً نقتبس جملة من أقوال جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين "بكفي خلص الفساد مش ثقافتنا"، نعم الفساد لم يكن يوما ما من ثقافتنا ولا من عاداتنا، ولا من سلوكنا، ولا من ديننا.