السياسة الروسية والعرب (3)
د.حسام العتوم
18-01-2022 10:59 AM
وسط ظرف الإنسحاب الروسي العسكري من كازاخستان، بعد هدوء العاصفة الهوجاء هناك، وهو الذي راهنت أمريكا على عكسه، وفي وقت السجال الروسي - الأمريكي مجددا في (جنيف)، حول موضوع التحرشات العسكرية المستمرة في الحدود الروسية البرية والمائية، أواصل سلسلة مقالاتي من (1 الى 3) لتسليط الأضواء هذه المرة على الحضور السوفيتي والروسي في المنطقة العربية شمال أفريقيا، أخذاً بعين الاعتبار، بأن روسيا الاتحادية كما سلفها الاتحاد السوفيتي تواجدا ويستمران في التواجد وسط العرب وعلى خارطة العالم، حيث تتواجد وتنتشر الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ولوجستياً، وعينهما على تصاعد سعير الحرب الباردة وسباق التسلح. وفي الوقت الذي قاد فيه الاتحاد السوفيتي ولا زالت روسيا تقود تعدد الأقطاب العالمية، تواصل أمريكا قيادتها للقطب الأوحد بالتعاون مع أوروبا وحلف (الناتو) بهدف السيطرة على أركان العالم كافة.
وعودة على موضوع عنوان مقالتي هذه، فإن النظرة السوفيتية والروسية لشرقنا العربي قديمة، وتنطلق من زاوية الجيوسياسيا والعمل الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، والرغبة في الإطلالة على البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة شمال أفريقيا العربية غنية بالبترول والغاز، والمعادن الثمينة، وبالثروة السمكية، ومصر العربية على تماس مع (إسرائيل) التي تمتلك روسيا الاتحادية معها، وبالعكس علاقات استراتيجية وثيقة وأيدولوجية أيضاً، ومعاهدة سلام منذ عام 1979، وتبادل تجاري بين روسيا ومصر وصل إلى أكثر من (7) مليار دولار، وعلاقات دافئة بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس عبد الفتاح السيسي، وسياحة متطورة بين البلدين، وانفتاح روسي سياحي واستثماري ملاحظ على مدينة الغردقة الساحلية المصرية الدافئة شتاء والمصيف الجميل صيفا.
ولقد أفاد منتدى حول التعاون العربي الأفريقي في مجال الاستثمار والتجارة عام 2010 في ليبيا، بأن النفط والغاز انحصر بداية في مصر والجزائر عام 1956، وبعد حرب السويس اكتشف في ليبيا والمغرب وتونس والصومال وبكميات تجارية، وشكل الشرق الأوسط 60% من احتياطي العالم عام 2008، وسيطرت القارة الأفريقية على 10% من احتياط العالم من النفط ( 125.6 ) مليار برميل، و90% من المخزون الأفريقي يقع في ليبيا والجزائر والسودان، وفي ليبيا لوحدها 35% من إجمالي احتياط نفط القارة الأفريقية. ويحتل الشرق الأوسط المرتبة الثالثة في احتياطي الغاز 12%، وتعتبر روسيا من أكبر الدول المنتجة في مجاله عالميا (19.6% )، وفي الجزائر 40%، وفي مصر 27%، وفي ليبيا 7%. وكل الأرقام والنسب المئوية هنا على مستوى النفط والغاز هي محل دراسة دائمة في روسيا لمعرفة توازنات اقتصادات الشرق الأوسط، وفي المقابل روسيا رائدة في مجال تصدير النفط والغاز عالميا، ومشروعها غاز (2) عبر أوروبا صوب ألمانيا شاهد عيان.
ولعل المملكة المغربية أو المغرب أقدم بلد عربي وعلى مستوى شمال أفريقيا يقيم علاقة مع الإمبراطورية القيصيرية عام 1777 في عهد سلطان المغرب محمد الثالث، وتطورت علاقة المغرب مع الاتحاد السوفيتي عام 1958، ومع روسيا الإتحادية عام 1991، وتعثرت العلاقة المغربية مع القياصرة والسوفييت في الحربين العالميتين الأولى 1914 1918 و1939 1945، ونشطت مع روسيا الاتحادية عام 1991. وتعاون إعلامي مغاربي – روسي منذ عام 1966، وزيارة لملك المغرب محمد السادس لموسكو عام 2002، وزيارة للمغرب قام بها وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف عام 2005، ولقاء على مستوى الخارجية عام 2006، وعلاقة مغاربية إسرائيلية حديثة عام 2020، لاقت اهتماماً روسياً ملاحظاً.
والعلاقة الروسية مع مصر بدأت مبكراً أيضاً على شكل قنصلية عام 1784، إبان عهد القياصرة، ومع الاتحاد السوفيتي عام 1943 في أتون الحرب العالمية الثانية (العظمى)، وتحولت إلى اقتصادية الأخشاب مقابل القطن، وتمكن السوفييت عام 1960 من بناء السد العالي في مدينة أسوان جنوب مصر في عهد الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر بهدف وقف فيضان نهر النيل، وصاحب فكرة بناء السد والتي لم ترى النور في عهده بسبب وفاته عام 1029 ميلادي هو الحسن بن الحسن بن الهيثم المولود 965 ميلادي . وتكمن السوفييت من بناء 97 مشروعا صناعيا وقتها، وانقطعت العلاقات السوفيتية – المصرية في عهد أنور السادات بسبب رفضهم عام 1971 تزويد مصر بالسلاح كما كان الأمر في عهد عبد الناصر، وتحسنت العلاقات مع الروس في عهد حسني مبارك، وجمدت في عهد مرسي، وعزز تطورها الرئيس السيسي، وزيارات مشتركة كان آخرها وصول السيسي الى سوتشي وبوتين الى القاهرة، وحجم تبادل تجاري وصل الى 7.6 مليار دولار عام 2021 .
ومع تونس بدأت العلاقة السوفيتية عام 1956، وتطورت مع روسيا عام 1991، وتعاون تجاري عام 1993، وبناء روسي لسد سيدي براق عام 1999 ولقاء تونسي روسي مشترك عام 2000، وزيارات متبادلة على مستوى وزراء الخارجية عام 2002، وزيارة لسيرجي ستيباشين رئي غرفة الرقابة المالية وقتها لتونس عام 2005، وتبادل تجاري عام 2008 وصل إلى 1.21 مليار دولار، وصادرات روسية لتونس في مجال الأخشاب، وتعاون طبي وسياحي.
والعلاقة السوفيتية مع الجزائر بدأت عام 1962، وتعززت مع روسيا عام 1991، وزيارات متبادلة لموسكو من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2001، وزيارة لسيرجي لافروف للجزائر عام 2005، وزيارة لبوتين للعاصمة الجزائر عام 2006، وزيارة من جديد لبوتفليقة لموسكو عام 2008، ومنح دراسية وقروض، وحجم تبادل تجاري قارب الـ 2 مليار دولار، وصفقة سلاح روسية للجزائر بلغ ثمنها 7.5 مليار دولار، وقمر صناعي جزائري روسي الصنع (سات 1).
ومع موريتانيا أيضا بدأت العلاقات السوفيتية عام 1964، وترسخت علاقات الجمهورية الإسلامية الموريتانية مع روسيا الاتحادية عام 1991 مع روسيا، وزيارة لرئيس مجلس الأعيان الموريتاني لموسكو عام 1993، وتعاون جيولوجي عام 1999 وزيارات على مستوى خارجية البلدين، وزيارات رئاسية، وحجم تبادل تجاري وصل عام 2008 الى 50 مليون دولار.
وما رغبت قوله هنا، بأن روسيا الاتحادية العظمى تجد قوتها ليس بالاعتماد على ذاتها فقط، ولكن بالتعاون مع الآخر العربي ونحن الأقرب إليها وهي التي تطلق على شرقنا بـ (القريب)، ولا تختلق الأزمات وسطنا، ولا تخترع الحروب، وإنما تتعامل معنا من وسط سياستها العليا التي تنسجم مع مصلحتها القومية ومن زاوية إيمانها بتعدد الأقطاب العالمية والذي تقوده بنفسها رافضة نظرية القطب الواحد والسيطرة على أركان العالم، وأمن الكرة الأرضية وسط سباق التسلح والحرب الباردة عنوان.