هيمنة الغرب والإفساد القادم
داود عمر داود
17-01-2022 10:24 AM
ينظر كثير من المراقبين بقلق شديد إلى الهجمة الشرسة التي تحارب القيم الدينية والاجتماعية الراسخة في وجدان البشر، أينما كانوا، على أنها مؤامرة عالمية تهدف إلى نشر الإلحاد، والمثلية، وهدم الأسرة المبنية على الرجل والمرأة، إضافة إلى شرعنة تعاطي الحشيش والمخدرات. وقد ازدادت وتيرة هذه الهجمة، في الآونة الأخيرة، بحيث نشطت برلمانات كثير من الدول في إجراء تعديلات قانونية، وإصدار تشريعات جديدة، من شأنها التسريع بإنحراف البشرية جمعاء عن جادة الصواب وعن الفطرة السليمة.
بداية الإنحراف:
تعود جذور الإنحراف الأخلاقي إلى الحرب العالمية الأولى، التي إقتتلت فيها قوى استعمارية قديمة مع تلك الطامحة للاستعمار. وتسببت ويلات الحرب، والهجرات الجماعية، وإختلاط شعوب من ثقافات مختلفة، إلى بدء تراجع الأخلاق العامة وإختفاء الحشمة، خاصة في المجتمعات الغربية. واستمر تراجع الأخلاق مع انتشار وسائل (الترفيه)، في العشرينيات والثلاثينيات، وصولاً إلى حرب عالمية ثانية، ظهر بعدها نظام عالمي جديد، وضعت أُسسه القوى المنتصرة، التي أنشأت منظمة الأمم المتحدة، لتكون ذراعها غير العسكري في فرض هيمنتها على العالم. وتضمن ميثاق الأمم المتحدة ركيزتين أساسيتين هما: (المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة)، يجري الآن، بعد أكثر من 75 عاماً، محاولة فرضهما عنوة على البشرية.
اتفاقية (سيداو):
ما كان لأحد أن يتخيل أن إنشاء منظمة الأمم المتحدة كان لأهداف تنحصر تقريباً في الوصول إلى ما يسمى بـ (المساواة بين الجنسين .... وبناء مجتمعات يمكن فيها للنساء والفتيات المشاركة على قدم المساواة). فهدف إعادة بناء المجتمعات تم وضعه مبكراً عام 1945، بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، وتولت متابعته والتخطيط له (لجنة المرأة) في المنظمة الدولية، التي استغرقها الأمر هذه العقود الطويلة حتى توشك أن تصل إلى مرحلة تنفيذ أجندتها الخطيرة.
وفي عام 1975 عقدت الجمعية العامة (مؤتمر المرأة) في مكسيكو سيتي، أعقب ذلك إعلان إتفاقية (سيداو) عام 1979، التي إعتمدتها الجمعية العامة كبرنامج عمل للتصدي لما يسمى بـ (التمييز ضد المرأة)، وهو ما يعني إزالة الفوارق التي خص بها الخالق، سبحانه وتعالى، كلاً من الذكر والأُنثى.
إشاعة الفاحشة:
وتلقى (سيداو) رفضاً واسعاً لأسباب دينية واجتماعية، بإعتبار أن مفاهيمها تتعارض مع مفاهيم الأديان السماوية، التي بُنيت عليها القيم والتقاليد الاجتماعية القائمة. ويعتبر البعض أن (سيداو) مؤامرة عالمية على المبادىء الدينية، هدفها إشاعة الفاحشة.
ومن بين المخاوف من (المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة) أن يجري مستقبلاً منح المرأة الحق في تعدد الأزواج مثلما للرجل حق تعدد الزوجات، مع ما يجلب ذلك من كوارث إجتماعية وإختلاط الأنساب. علماً أن تعدد أزواج المرأة ما زالت عادة منتشرة، في مجتمعات وثنية قليلة، وللمرء أن يتخيل لو تم الترويج لهذه الفكرة الجنونية.
كما تتيح (سيداو) للمرأة المسلمة أن تتزوج من غير المسلم، وأن يُنسب الأطفال إلى أًمهاتهم، وتُلغي قوامة الرجل وقانون الميراث. كما تدعو إلى الشذوذ (أو اللواط) والمثلية، والإجهاض، والعلاقات خارج إطار الزوجية، وغير ذلك مما يُعد مخالفات صريحة لتعاليم الدين، وللفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
مؤسسات روكفلر مولت حركة تحرر المرأة:
وقد كشف المخرج الأمريكي الشهير والناشط السياسي آرون روسو، المتوفى سنة 2007، أن حركة تحرر المرأة، التي انطلقت أواخر الستينيات، مولتها مؤسسات روكفلر. وقال أنه عندما قابل نيكولاس روكفلر أخبره أن عائلته هي من قدم الدعم المالي والإعلامي لهذه الحركة في أنحاء العالم. وبرر روكفلر ذلك بسببين أولهما: أنه ليس بإلامكان الإكتفاء بجباية الضرائب من نصف السكان فقط، بل يجب توسيع قاعدة دافعي الضرائب بضم المرأة لسوق العمل.
والسبب الثاني أن المرأة العاملة ترسل أطفالها إلى المدارس في سن مبكرة، فتتم السيطرة على طريقة تفكيرهم، وتفكيكهم عن عائلاتهم، وحينها ينظر الأطفال إلى الدولة، والمدرسة، والمسؤولين، على أنهم هم العائلة، بدلاً من الأم والأب والأخ والأخت. وعلق روسو بعد ما تبين له حقيقة حركة تحرر المرأة، أنه إتضح له الشيطنة وراء دعمها.
سوروس يمول تمرير القوانين:
وعلى خطى روكفلر يسير الملياردير اليهودي التسعيني، المقيم في سويسرا، جورج سوروس، الذي يمول حملة دولية لإستصدار قوانين تتماشى مع مبادئ (سيداو). فقد هاجم النائب الاردني عبد الكريم الدغمي، قبيل إنتخابه مؤخراً رئيساً للمجلس، من يتلقون رشاوي من سوروس، من أجل إصدار تشريعات تخرب قيم المجتمعات. وكشف النائب محمد عناد الفايز أن منظمات المجتمع المدني تغري كل إمرأة تشارك في التظاهرات بمبلغ 50 ديناراً، لإيهام الرأي العام بأن النساء أنفسهن يطالبن بـ (المساواة) المزعومة.
قانون كندي لإخصاء الأطفال الذكور:
وقد انضمت كندا إلى عدة دول أصدرت قوانين تشجع إجراء عمليات إخصاء للطفل الذكر كي يتحول إلى أُنثى. وأصدرت قانوناً يُعاقب بالسجن 5 سنوات، كل من يثني طفلاً عن إستئصال أعضائه التناسليّة الذكرية، لتغيير جنسه. وتشمل العقوبة والد الطفل، حتى لو استند في نصيحته إلى مفاهيم دينية، وصفها المشروعون الكنديون بـ (الأساطير). وكأن القانون الكندي تم تفصيله على مقاس مسلمي كندا، الذين لم يؤخذ في الإعتبار إعتراضهم على هذا القانون الاعتباطي، الذي قد يتسبب في هجرة معاكسة للمسلمين من كندا.
خلاصة القول: هل نقاوم الإفساد؟:
وهكذا يتضح مدى ضخامة وشراسة الحرب الطويلة الأمد الهادفة إلى إجتثاث القيم الفاضلة التي جاءت بها الأديان، لاستبدالها بقيم فاسدة وضعها النظام العالمي، ممثلاً بالأمم المتحدة.
والحقيقة أن كل المجتمعات، صغيرها وكبيرها، تتعرض لنفس الهجمة. فحتى دولة كبرى مثل روسيا تحاول التصدي لمد الإفساد العالمي، إذ قامت مؤخراً بإغلاق مقر منظمة جورج سوروس، وخمسين فرعاً تابعاً لها، تشارك في تمويلها سفارات غربية. فهل سيأتي اليوم الذي تتصدى فيه دولنا العربية والإسلامية لهذه الهجمة الخطيرة على قيمنا، وتنتصر لقيم الفضيلة التي تعتز بها مجتمعاتنا؟