استعادة فصول من الفتنة الكبرى
سامي الزبيدي
28-07-2010 03:21 AM
منذ 35 للهجرة و»قميص عثمان» هو عنوان الحكاية واصلها، فالمطالبة بالقصاص وكل السجال الذي اعقبه والتفاقم الذي استحال فتنة كبرى ما هو الا صدام بين مشروعين لا زالت تفاصيله مخزنة في اللاشعور الجمعي للامة، فالقمصان العربية الملطخة بالدم غالبا ما تختزن بين خيوطها طموحات الاحياء وامانيهم في سلطة وحكم ونفوذ.
دم عثمان الزكي الذي اهرق في البدايات الاولى للدولة الاسلامية كان عنوانا لحراك سياسي معقد بين نخبة الامبرطورية الوليدة لذلك فان المطالبة بالقصاص لم تذهب باتجاه القتلة الحقيقيين بقدر ما اتجهت الى الخصوم السياسيين فكان ان رفعت السيوف الشريفة في صفوف متقابلة.
واليوم يتكرر المشهد التاريخي ولكن بصورة لئيمة، فالمشاريع التي تتصادم في المنطقة لم ترسم اي من سيناريوهاتها في المنطقة ولم تكتب بحرف عربي فهي اما كتبت بالفارسية او الانجليزية او العبرية او التركية وما البلاد العربية سوى ساحة مسلخ والذبائح شعوبها.
ما يجري الاعداد له في لبنان لا يبتعد في الجوهر عن سياقات الفتنة الكبرى وكأن من خطط ونفذ وينتظر ان يحصد النتائج قد قرأ العقل العربي الاسلامي ورتب التفاصيل بما يؤدي الى «صِفَين» جديدة يختلط فيها السلاح الشريف بغير الشريف فتكون للعدو الكلمة الفصل في تقرير المشهد بصورته النهائية.
دم الشهيد رفيق الحريري زكي بما يؤهله ان يكون اكبر شرفا من ان يتحول الى بوابة لفتنة اخرى، و»ولي الدم» الشيخ سعد الحريري قالها غير مرة انه لا يريد لدم والده ان يكون مجلبة لاهراق دم زكي في لبنان غير ان الحراك في سياقه الكلي يذهب باتجاه فرض مشاريع تناقض اماني الامة عبر بوابة البحث عن العدالة في مقتل الشهيد.
لو ان عثمان علم بما جرى بسبب دمه لسامح به حيا وميتا، وكذا حال الشرفاء الذين يقتفون اثر صحب الرسول والشهيد الحريري واحد منهم فلوعلم بما قد يجلبه دمه على لبنان لسامح به حيا وميتا، فمن كانت له اياد بيضاء على لبنان بمسيحييه ومسلميه بسنته وشيعته لا يقبل ان تهرق نقطة دم واحدة من اجساد هؤلاء باسم «العدالة الدولية» العمياء التي تقرر مسبقا من هو المجرم ثم تبحث له عن ادلة لادانته.
اسرائيل هي من يستفيد لانها العدو الواضح اما الكومبارس الذين يرددون اقوال غابي اشكنازي فيتوقعون – كشركاء مضاربين – ان خريف لبنان سيكون كله غضبا وقلاقل فهم بذلك يغطون سوءاتهم بغبار معارك غيرهم فالعقل المليشيوي والروح التي تتحكم بامراء الفتن الاهلية الذين لا يستحون من الاتصال والتنسيق مع العدو فانهم يرهنون بقاءهم بانتصار الاعداء ، فهؤلاء لا حياة لهم خارج الاقبية.
نتذكر كيف صدرت لائحة الاتهام بمقتل الشهيد الحريري حتى قبل ان يهدأ غبار الانفجار لانه ببساطة شديدة اتهام متسق مع مشروع دولي يراد فرضه على المنطقة، وكانت لائحة الاتهام تلك تتعرض الى تعديلات متلاحقة على وقع ما يجري من تعديلات في المشروع الغربي المراد فرضه، وها نحن في الفصل الاخير والعدالة العمياء تذهب باتجاه غاية في الغرابة فاسرائيل صاحبة المصلحة في ايذاء لبنان تنسق مع اركان وهيئات تلك العدالة بما يجعلها في موقع القاضي الملطخة يداه بالدماء.
اخشى ان تكون ولاية الدم قد انتقلت سياسيا – رغما عن المعنيين بها – الى اياد لا تريد خيرا بلبنان والمنطقة برمتها.
Sami.z@alrai.com