البحثُ عن سارقِ الأمل ؟!ممدوح ابودلهوم
28-06-2007 03:00 AM
الأدق أن يكون العنوان ( البحث عن سارق الوطن ) وهو بالمناسبة ليس عنوان رواية درامية ، مع أنه قد يصبح يوماً كذلك إن بقي من زيت في قنديل العمر ، ومن يدري فقد أحصد ما حصده مؤلف قصة (البحث عن سعيد مرزوق) ، أو أحذو حذو الأديب الراحل (جبرا إبراهيم جبرا) في إبداع روايته العظيمة (البحث عن وليد مسعود) ؟! أما قبلُ .. فأكتب عن صديقي النصاب ، والحكاية باختصار لا تتحدث عن أنموذج في النصب والاحتيال وحسب ، بل عن جز عنق صديق وقتل مستقبل عائلته بالتالي من الوريد إلى الوريد ، والحكاية ليست بهذه البساطة كما قد يتراءى لقارئ يمر عليها مرور الكرام ، فقبل عقدين من زماني المغبون زاملت هذا النصاب في (عالية : الملكية الأردنية) حيث كنت رئيسه المباشر ، والرجل بشهادة الذين فهموا لعبة الحياة كان مسرفاً متلافاً.عرفت فيما بعد أنه أضاع ما ورثه عن والده الوجيه ، والخلاصة أنه جاءني ذات يوم حزيناً خائفاً يخبرني بأنه لا جدال سيودع غداً السجن ، بعد إذ وقع لدائنيه شيكات بلا أرصدة مما كان أنذاك جرماً جنائياً ، فأعطيته فوراً ما لدي من مال واستدنت لـه الباقي من البنك ، وبذلك لم يسجن صديقي المحترم . ودارت دورة الأيام ومن ذلك أنني انتدبتُ لسوء حظي مديراً لمحطة عالية في مسقط ، وبعدها تنقلت لعدة سنوات بين المحطات الخارجية حتى أواخر الثمانينات ، وفي إحدى إجازاتي وكنت ألتقيه دائماً حاول فتح موضوع الدين ، فلم يفلح إذ لا دين بين الأصدقاء وليكن السداد حين ميسرة ، فما كان منه إلا أن فاجأني بأن اصطحبني بسيارته المرسيدس إلى حيث لا أدري ، لكنه بادرني في الطريق يسألني : ألا تبحث عن قطعة أرض ؟، فأجبت بنعم على أني لم أكن في عجلةٍ من أمري إذ كنت قيد الغربة أنذاك ، مع الاستدراك فيما يعلم الجميع بأن الغربة كانت هي (فرصتي الوحيدة) ، والمحصلة أننا ذهبنا إلى دائرة الأراضي وأخرجنا طابو ووشّح المعنيون سبعة تواقيع على نموذج البيع ، وبالمناسبة لم يساورني يومها أي شك فأنا دخلت معه دائرة حكومية ترفع علماً أردنياً ، وكان هذا هو ردي الوحيد على الذين واجهوني بعملية الاحتيال ، وعلى الذين رددوا أمامي بأن القانون لا يحمي المغفلين ، ومع أنني لم أكن مغفلاً (!) وحتى لو كنت كذلك (!) فماذا يعني مصطلح دائرة (حكومية) يرفرف على سطحها (علم) أردني ؟، ثم أنني أعلم أن القانون يحمي الجميع وهذا يعني أنه يحمي أيضاً المغفلين أمثالي !، ومنذها لم أعد أبحث عن أرض إذ أنني بالفعل أملك قطعة أرض ابتعتها من هذا النصاب . إلى هنا فالحكاية ما زالت عادية غير أن الذي حدث بعد ذلك لمختلف جداً ، فبعد سنوات من عودتي اكتشفت الحقيقة المرة وبأن صديقي البار (جداً !) الذي أنقذته من السجن ، وحفظت ماء وجهه وكرامته وسمعته أمام الآخرين ، قد باع قطعة الأرض لثلاثة آخرين فاز بها واحد منهم فقط ، ومنذ ذلك اليوم وأنا أطارد خيط دخان بعد إذ اختفى هذا المحتال ، ثم أنني وخجلاً عشائرياً وترفعاً أردنياً لم أشتكيه أمنياً أو قضائياً أو أضع اسمه على الحدود ، بل اكتفيت بالاتصال الهاتفي مع الخالة والدته بين الحين والحين ، وكانت الردود دائماً بأن الأمر بسيط وقد يحله شقيقه مثلاً (الخ) هذه الأسطوانة المشروخة و..لن أزيد . وقبل سنوات هاتفني صديق يخبرني بأن المحترم في البلاد ، فهاتفته فوراً فجائني معتذراً وبأنه (بدي أسويلك عشا أبسيرش و أبتطلعش من عندي إلا راضي ) و .. قد كان (!) ، و حين ذهبت ملبياً دعوته (الكريمة !) لم أجده ، بل وجدت خبراً مفاده أنه قد غادر البلاد منذ أيامٍ ثلاثة إلى الولايات المتحدة حيث يقيم !. أنا .. الآن .. في النهاية ، متقاعد براتب اعتلال لا يكفي سهرةً من سهراته (أيام اللولو) !، في انعدام وزن بلا أرض وبلا بيت وبالتالي بلا وطن ، نمذجة مطابقة لمقولة وزير الإسكان الأسبق (د. عبد الرزاق النسور) بأن (من لا بيت له لا وطن له) !، من هنا .. فأنا بفضل هذا الصديق النصاب و كرمه ومكرماته وكراماته بالنتيجة ، إما حيٌ على ذمة الموت أو ميتٌ على قيد الحياة ، وعليه فأنا كاتب الوطن بالحق الباسل قد بت في نهاية المطاف ، بلا موضع قدم على أرض هذا الوطن : وطني الحبيب !!!]
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة