لم تكن سنوات الخمسينيات ، من القرن الماضي ، سهلة على الأردن وعلى الملك الشاب الحسين بن طلال ، طيب الله ثراه ، اذ واجه ازمات كبيرة داخلية وخارجية . كانت العلاقة مع الجارة الشمالية سورية سيئة للغاية وكذلك مع مصر جمال عبدالناصر وحدثت القطيعة مع العراق بعد مقتل العائلة الهاشمية الحاكمة في مجزرة " قصر الرحاب" في تموز1958 على يد الإنقلابيين بقيادة عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف.
داخليا شهدت فترة حكم الحسين الاولى اضطرابات عديدة من بينها حراكات ومحاولات انقلاب على الحكم مثل " حركة الضباط الاحرار" ومحاولة انقلاب صادق الشرع 1959 وغيرها اضافة الى الاضطرابات السياسية والمظاهرات الشعبية المتأثرة بالمدّ القومي ودعوات عبدالناصر وخطاباته الحماسية .
يتحدث السير تشالز جونستون السفير البريطاني ( 1956-1960) في كتابه بعنوان " الاردن على الحافة " الذي اصدرته وزارة الثقافة الاردنية (260 صفحة ومن ترجمة د. فهمي شما ) عن السنوات الصعبة التي واجهها الملك الحسين والاردن والتحديات الجسيمة التي كادت تعصف بالبلد الصغير وقليل الامكانيات في مواجهة قوى اقليمية قوية ولها امتداداتها داخل الاردن .
وعن محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها "حركة الضباط الأحرار" في 14 نيسان 1956 يؤكد السير جونستون ان " معلومات مهمة وصلت الملك الحسين مساء 13 نيسان عن التحركات ، من الموالين له في الجيش ، وان قادة الانقلاب اساءوا تقدير نفوذهم في الجيش واستخفوا بقوة وعزم الملك ".
وفي اليوم التالي ذهب الملك الى الجنود " والرصاص يتطاير من كل اتجاه " وخاطبهم ونجح في افشال المحاولة الانقلابية . واستطاع الملك تحريك القوات الموالية له وافشال تحركات اللواء السوري الذي تحرك من المفرق باتجاه الزرقاء وجرش وصويلح والذي هبّ لنجدة الإنقلابيين بتوجيه من عبدالحميد سراج مدير المكتب الثاني ( المخابرات )في سوريا .
يتحدث السفير جونستون بالتفصيل عن علاقته برئيس الحكومة ، وزعيم الحزب الوطني الاشتراكي ، سليمان النابلسي الذي وجده " متعاونا اكثر مما كنا نأمل او ننتظر وكان من حسن حظنا ان نكتشف ايضا كرهه وشكوكه من زعيم البعثيين الوزير عبدالله الريماوي والجنرال علي ابو نوار " .
ويشير الى ان النابلسي لم يكن مع انهاء المعاهدة الاردنية -البريطانية ولكن الريماوي هو من ضغط عليه وتحت ضغط الحركات والمظاهرت الجماهيرية ".
ويقول " ان مرحلة المعاهدة الأردنية- البريطانية منذ عام 1948 كانت مرحل مرض انتهت بوفاتها مع طرد الجنرال البريطاني غلوب في آذار 1956 وكان الإتفاق على انهائها بعد عام عبارة عن تأجيل مؤقت لدفن الجثة".
وعن العلاقة مع سورية وعبدالناصر يقول السفير جونستون "بعد انقلاب بغداد قام عبدالناصر بحرب الأعصاب الشاملة ضد الحكم الأردني ثم قام راديو دمشق بإذاعة بيانات متتالية بأن تحرير الاردن سيبدأ خلال ساعات قلائل. وتبع ذلك هجوم اذاعي مصري بادارة عبدالناصر على شخصية الملك الحسين واخذت الأسلحة تتسلل من سوريا للموالين لها وقد انفجرت عدة قنابل في اماكن عديدة من عمان ".
ويشرح السفير جونستون عزيمة الملك الحسين النفسية والشخصية في مواجهة كل هذه الازمات وقدرته على السيطرة على الأوضاع الداخلية بفضل محبة وولاء الجيش له والتفاف القبائل والعشائر الأردنية حوله وتقديمها آلاف المقاتلين للدفاع عن النظام والاردن.
يشرح جونستون بالتفصيل علاقاته مع رؤساء الوزراء والشخصيات السياسية في فترة الخمسينيات وتحليله لهم ويعرج على طموحات بعضهم التي تسببت بكثير من المشاكل للبلد وهي اسماء ما زال يشار لها بالبنان.