أبدع الصديق سمير الحياري راعي "عمون" في استنطاق رئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة، وجه له أسئلة لا تقل أهمية عن الأجوبة، واجهه بهدوء احترافي عال، بأسئلة الشارع، بل طرح أمامه كل أحاديث المجالس، وما يدور في أذهان الناس، لم يُبق شاردة أو واردة، وبقدر ما راقت الأسئلة، فقد راقت لي الإجابات، وتساءلت: لماذا لم يتحدث الرئيس طيلة الفترات السابقة بهذا الشكل، وبهذه الشفافية والموضوعية والجرأة التي سوّقته بحق كرجل دولة، وليس فقط رئيس حكومة.
أعتقد أن الحكومة الحالية على وجه الخصوص، والحكومات السابقة بعامة، قصّرت في تسويق منجزاتها، وفي طرح توجهاتها بهذا الشكل الذي ظهر عليه الرئيس الخصاونة، فالحكومة أكبر مؤسسات الدولة المدنية، وهي أعلى سلطة تنفيذية في الدولة، ومن حقها وواجبها أن تشرح للمواطن العادي تفاصيل ما تقوم به من مشروعات، وما حققته، وما تسعى إلى إنجازه، وربما يكون التقصير في تسويق عمل الحكومة، أحد أسباب الفجوة بينها وبين عموم الناس، وربما تكون الفجوة ناتجة في جانب من جوانبها عن هذا الغياب، وما أدى إليه من فقدان للثقة، وانعدامها أحياناً.
حسناً فعل الزميل سمير الحياري بإجرائه هذا الحوار الهادئ غير المفتعل، والبعيد عن التشنج، وحسناً فعل الرئيس باستقباله عمدة "عمون" في مكتبه، والإجابة عن كافة الأسئلة التي طرحها، والحقيقة أنني وبعد أن شاهدت المقابلة، خطرت ببالي فكرة، وقد وجدت أن الرئيس لم يتردد في الإجابة على سؤال، ولم تتغير ملامح وجهه، ولم يتلعثم، ولم يتأتئ، اتصلت بأخي "أبو أسامة"، الذي أثق به وبأمانته، سألته: هل كان الرئيس يعرف الأسئلة أو المحاور التي ستتم مناقشتها، فأجاب: "الرئيس رفض أن يطلع على الأسئلة، وحتى معرفة المحاور، وأنا لا أعرض على ضيفي أسئلتي".
لم أسأل السؤال، إلا لأن إجابات الرئيس أقنعتني، وليس لي ككاتب صحفي، وكمحلل للمقابلة، إلا أن أحاكم السائل والمجيب، المحاوِر والمُحاوَر، من خلال المقابلة نفسها، تماماً كما يحاكم الروائي على النص، بعيداً عن شخصه، فرئيس الوزراء لم يعمل في المقابلة على مغازلة الشارع، ولا على استقطاب مجموعة دون سواها، لم يهادن، ولم يأخذه شطط، إلى ما هو بعيد عن أرض الواقع، الواقع الذي جاءت بموجبه الحكومة في تكليف كانت أولوياته مواجهة جائحة كورونا، ونجحت في ظل أعقد الظروف في تطوير قدرات القطاع الصحي بنسبة 300 بالمائة، بما في ذلك بناء أربعة مستشفيات ميدانية مدنية، وثلاثة عسكرية، وإضافة 4500 سرير، ورفع عدد غرف العناية المركزة إلى مائة، وإنشاء 12 مختبراً، وتطعيم حوالي أربعة ملايين مواطن لجرعتين أولى وثانية، بمعدل أكثر من 17 مليون جرعة، وهذا إنجاز يجب أن يحتسب للحكومة، ومن حقها - أي الحكومة - أن تسوّق هذا الإنجاز لمواطنها، والذي لولاه لما استطاعت احتواء الموجة الوبائية الثانية التي انتهت منذ حوالي أربعة أشهر، كما أن من حق المواطن أن يسائلها على أي تقصير.
لا يجوز لأحد أن يحاسب هذه الحكومة دون غيرها من حكومات سابقة، على انخفاض معدلات التنمية الاقتصادية، وعلى ركود سبق الحكومة بعشر سنوات على الأقل، ولا يحق لأحد أن يوجه لها اللوم في عدم قدرتها على اجتذاب استثمارات وزيادة فرص العمل في فترة عانى العالم كله، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، من إغلاق وركود وتراجع في معدلات النمو، وسجلت الدول الكبرى أكبر معدلات لهذا الركود غير المسبوق منذ كارثة الكساد العالمي الكبير.
الحكومة الحالية قامت بما تستطيع القيام به، وتنفيذ تكليفاتها التي من بينها دعم جهود الهيئة المستقلة للانتخابات النيابية، وإنجاز الموازنة العامة والإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والسير في برنامج أولويات عمل اقتصادي حتى عام 2025 يستند إلى المرصود والموجود من منح وقروض، وليس إلى ما هو مؤمل وغير مضمون.
المقابلة متاحة بالكامل من أولها إلى آخرها أمام كل من يرغب في المعرفة، وكل مهتم بأحوال الوطن، ولكل رأيه، لكن من غير المقبول انتقاص قدر رئيس الحكومة، بمقاربة الكرسي مع من جلس عليه من رجالات الدولة الراحلين، فالكرسي لا يزيد ولا ينقص من قدر الرجال، ولا موضوعية في ذكر اسم الراحل وصفي التل، أو الراحل سليمان النابلسي، أو غيرهما من رجالات الدولة، لاغتيال شخصية رئيس وزراء حالي أو قادم، فلكل زمان دولة ورجال، نختلف أو نتفق مع الخصاونة أو غيره من رؤساء الحكومات على مصلحة الدولة وخير البلاد وأهل البلاد، دون شخصنة، ودون تضخيم، أو تقزيم، فالرجل نظيف اليد، ولم توجه له أصابع اتهام بفساد، أو محسوبية، أو هدر للمال العام. وغداً نواصل.