عند البحث عن بناء تصور او تشكيل رؤية للمشاريع الاستراتيجية عند المجتمعات فان المختصين يقومون عادة ببيان المقومات الذاتية للمجتمع ومواءمة هذه العوامل مع الظروف الموضوعية المحيطة وذلك من اجل اطلاق رسالة في الجملة الاستراتيجية تحمل علامة فارقة انتاجية او سمة دلالة مميزة حتى تكون منسجمة مع الحواضن المحيطة بهدف احداث درجة الاستجابة المتوخاة فالمشروع الاستراتيجي الذي يمكن ان ينجح في الامارات او في السعودية او في قطر او حتى في مصر فقد لا يكون ذا جدوى اذا ما تم اعتماده في الاردن.

هذا لان مصر تمتلك المياه والطاقة والموارد البشرية العمالية والحرفية كما ان دبي كانت استفادت من خروج بريطانيا من هونج كونج لتحويل الادارة والاستثمار وبينما عمدت قطر للاستفادة من وجودها في بيت القرار الرياضى من خلال بن همام لتعميد دورها الاستثماري وكما قامت السعودية بتفضيل البحر الاحمر عن الخليج العربي لغايات امنية استراتيجية من خلال مشروع نيوم الحدودي وهذا ما جعل كل دولة من هذه الدول لها طابعها الخاص ومقومات حضورها في المشهد التنموي.

وهذا مرده للعوامل الذاتية التي تستوجب دراستها قبل اطلاق المشروع كونها تقوم على دراسة الطبوغرافيا والجغرافيا والديموغرافيا المحلية للمجتمعات واخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحيطة اللازمة لغايات التسويق فان هنالك تباينا بين المجتمعات في سلم الاولويات لتحقيق درجة النهوض وعوامل الانجاز.

فالمجتمع الاردني بحاجة الى مشاريع استراتيجية تقوم على توليد الطاقة وادامتها ذاتيا كما هو بحاجة الى توفير المياه وانشاء وسائط نقل لتحقيق درجات الربط بين المدن وهي العوامل الثلاث التي ستشكل ارضية خصبة بتصميم الصورة الاستثمارية التي يراد ترسيمها وهي ما تعد من الاولويات التي من المهم تشييدها قبل الحديث عن بناء مدن او تكون تجمعات سكانية حديثة على اهمية هذا الطرح.

فالاقتصاد الاردني مازال يسير في مسار الاقتصاد الخدماتي ويعمل بالمجالات السياحية والتعليمية والصحية ولن يكون بمقدوره تسجيل اختراق ضمني تجاه الصناعة الزراعية او الصناعات المتوسطة والثقلية او حتى بجانب الصناعات المعرفية اذا لم يتم توفير العومل الرئيسية الثلاث في البناء الذاتي الامر الذي يتطلب ايجاد مشاريع استراتيجية بهذه المجالات اولا لتحقيق ارضية عمل استثمارية على ان تحوى هذه الجدوى الاقتصادية خطة عمل تنموية للدولة حتى تقوم الحكومات على اتباع سياسية تراكم الانجاز حول هذه المشاريع من دون فك وتركيب سياسي يبعد بوصلة التنموية من مساراتها.

وهذا ما يستلزم بناء نماذج عمل حقيقية لتنفيذ هذه المشاريع فان الحديث عن المشاكل والتحديات وعرض المشكلات لا يعني حلها ، لكن ما هو مطلوب وهو ايجاد استراتيجية عمل يمكن تطبيقها.

ان كلفة بناء محطات توليد للكهرباء من الطاقة الشمسية في معان وربط المنطقة السياحية بين البحر الميت والبحر الاحمر بقطار كهربائي خفيف للنقل والانتقال وانشاء محطة تحلية للمياه قد تزيد كلفتها عن عشرة مليارات لكن هذه العشرة مليارات يمكن قسمتها على فترة الانشاء والتشغيل التي قد تستمر لخمس سنوات وستكون بمعدل 2 مليار كل سنة وهو رقم يمكن هضمه وحتى تحمله سنويا هذا اذا لم يقم الاصدقاء برعاية هذه المشروعات ودعمها كما تندرج مع منهجية العمل التي يقوم عليها البنك الدولي كونه الجهة المهتمة في تشييد البنية التحية في العالم لضمان سهولة تدفق السلع الاستهلاكية من الدول المصنعة وهذا باب يمكن اعتماده لحيثيات عديدة ابرزها مكانة جلالة الملك وعظيم تأثيره عند المجتمع الدولي كما عند الدول المحيطة.

وعند البدء بتنفيذ هذه المشروعات فان مدينة سياحية ستحدد حدودها ستتشكل بين البحر الميت والبحر الاحمر وهي المدينة التي يمكن اعتمادها سياحيا وانشاء مشاريع ترويحية حولها من حدائق سفاري ومشاريع داعمة اخرى للأغراض السياحية بكل مجالاتها الترويحية والدينية والتعلمية وحتى العلاجية لان كلفة الكهرباء والمياه على هذه المنشآت ستكون محدودة ووسائط النقل ستكون متوفرة وهذا ما يجعلها تصبح مدينة اقليمية منافسة في اقليم البحر الاحمر الذي تم اعتماده دوليا وستبدأ حملات ترويجية على المستوى الدولي من خلال مصر والسعودية لامتلاكها مشاريع سياحية كبيرة بهذه المنطقة فالاردن جزء اساس من منظومة هذا المنطقة من المهم بناء مدينة تميز الاردن في الاقليم التنموي الذي يشرع في بنائه وترسيمه.

(الدستور)