موجعة تلك الحقيقة عندما تطل برأسها مثل أفعى سامة لتخبرك كم كنت بريء وصادق في زمن عنوانه الكذب والزيف.
قالت لها أحد الرفيقات التي تدعي الصداقة بسخرية، هذا ليس زمن البراءة يجب أن تصدقي الحقيقة، كانت تتكلم بقسوة وصوت عالي قائلة؛ بعض الملفات يجب أن تغلق وللأبد. لم تدرك كيف كانت تسقط الكلمات كقطع زجاج مدببة على أطراف القلب فتمزق شريان النبض. كانت تتبجح في استهتار مريع بقدرتها على كشف الحقيقة دون أدنى إدراك لمشاعر عفوية كانت تحاول التمرد على كل قبح الواقع.
كانت واثقة بأنها على حق وقامت بإدراج الحقائق، وهي الخبيرة القوية، قالت بأن ذلك كان لعبة مدفوعة للإيقاع بك. كانت الكلمات تتطاير من فمها مع نظرة ماكرة ودون أدنى إدراك لوقعها. لما لا! وهي الرفيقة التي لم تكن تفكر إلا بماديات الحياة ولا تنظر لأي شخص دون أن تعرف حجم الأرض التي يمتلكها وعدد الشركاء.
قسوة الحقيقة جمدت أطرافها، لم تنبس بكلمة لم يكن هناك سوى صوت أنفاسها المتسارعة ودقات قلب رتيبة ترفض أن تصدق، سرحت وكأنها خارج هذا الزمن لم تعد ترى حتى حماس رفيقتها في استعراض الأدوار وطبيعة المهمة، كانت تعرض ما تملك من معلومات، ولم تنبه إلى النظرات الخالية إلا من دموع باردة سقطت كحبات برد لتجمد بقايا فرح عالقة في جدار الروح.
ودعت رفيقتها وغادرت، كانت تقود سيارتها بسرعة وكأنها تريد الهروب من غدر الحياة، مر في عقلها شريط الذكريات بسرعة غريبة رافض التصديق، ولكن جاءت الحقيقة جليه إمام عينيها.
بدأت تستذكر بعض المواقف، والخلافات والكلمات القاسية التي كانت تقال، وتذكرت كم مرة نسى خطيبها المبجل المناسبات التي تخصها. التذمر، الأنانية والقسوة والتبجح بعدد النساء العابرات في حياته.
كانت تبكي وهي تقود السيارة دون أن تعرف أين تتجه، تذكرت كم مرة أخبرته أنها تشعر أن فترة الخطبة طالت وبدأت تكون مثل مهمة رسمية لا تنتهي.
تذكرت كم كان يتطاير غضبًا في كل مرة كانت تقول ذلك، مر بذهنها كم مرة حاولت الانفصال والرحيل وقفل الأبواب كلها ليطل مخبرا أيها أنه لا يستطيع التخلي، حتى ذلك كان كذب وابتزاز.
فكرت والأسى يعتصر قلبها لم يكن لدي سبب واحد للبقاء، حتى عينيك في النظرة الأخيرة كانت خالية مني.
سأغادر قلبك الضيق الذي لم يكن يتسع لجناحي امرأة تطير بحرية.
وصلت المطار وأخذت طائرة متأخرة دون أن تكلف نفسها عناء الحديث إلى إي شخص في مدينتها، ارتفعت الطائرة وحلقت بعيدا تاركه خلفها قصة مفتعلة لا روح فيها إلا نبض امرأة بريئة عاشت بروح طفلة كما وصفتها رفيقتها دائما في كل حديث.
كان عقلها يفكر ويهمس للغائب، أهديك كل شيء إلا عزة نفسي. الحمد لله الذي منع عني ما كُنت أحسبه بجهلي خيراً لي. همست لنفسها مشجعة القوة التي أنا عليها الآن لم تُهدى لي مجاناً، بل كلّفتني عمرا بأكمله، فالقوة الحقيقية ليست صلابتك بل رقتك التي لا تنحني.
في حياتنا لسنا بحاجة لسؤال متكلف، أو اهتمام مستنزف أو حضور باهت، أو رعاية مصطنعة، نحن أرقى من أن نعيش مشاعر عابرة.
القلب يسكن بفعل إرادة لا فعل هزيمة، لذلك علينا أن نتقن فن صناعة ما يُقال عنه الحظ الجيّد بالحياة.