تابعت الحالة الصحية لأخي الراحل محمود إبن أخي وعمّي الراحل زياد، عن كثب، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت، ولكن تداعيات الحالة المرضية كانت تستعصي على كل طب وتطبيب، وكان واضحاً أنّ الحبيب سيرحل إلى ربّه ملاقياً والده النظيف العفيف.
عند تأبين زياد، في حفل استضافته ورعته نقابة الصحافيين، لم أكن ضمن المتكلمين، ولكنني لم أستطع السكوت، فاستأذنت محمود أن أقول، وقُلت في حقه ما يليق به، فقد كنت أسدد ديناً لأنّ زياداً كان أحد المتحدثين في حفل تأبين أبي.
رحل محمود أمس، ودُفن اليوم، ولكنّ الجسد لا يعني شيئاً، لتبقى السيرة التي لا يمكن أن يحتويها تُراب، بل تظلّ تحمل عبقها، فتتناثر فضائلها بين الآخرين، وقد كنت يا صديقي وأخي خير ممثل لذلك الذي رحل قبلك، وترك تلك النسمات المنعشة عند كل من عرفه.
محمود، أبو زياد، وإبن زياد، كان شخصية عامة محترمة من الجميع، ونقيباً لمستقبل الأردن حيث الزراعة وتفرعاتها، وفي يوم أردت أن أوسع اعمالي الزراعية لأضع خليتين من النحل بحثاً عن العسل، فسألت عمّن يمكنه المساعدة، لتصلني منه رسالة بأنه جاهز لارسال الخليتين، وعلى شكل هدية لصديق والده!
لم يكتمل مشروعي الشخصي البسيط، ولكنّ ذلك العرض الأثير يكفي فقد أتى من بيت فكر، واصالة، وكرم، وعسل صاف، وحين سألت شقيقه محمد عن مدى خطورة حالته قبل نحو شهر، سالت دمعة من عيني، وامتثلت لطلبه بالدعاء له.
محمود، كما زياد، رحل عنا، وكما سنفعل جميعاً، ولكنه ترك سيرة محترمة يتمنى كل محترم منا ان يملكها، ورحمك الله يا زياد فقد أحسنت التربية، وها هو محمود معك، تفخر به وبكل ذريتك الصالحة، وللحديث بقية…